مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ عَلَى أُسَامَةَ، فَقَالَ أُسَامَةُ يَا رَسُولَ اللَّه اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: فَكَيْفَ وَقَدْ تَلَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه! قَالَ أُسَامَةُ فَمَا زَالَ يُعِيدُهَا حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِي وَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً.
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ
الْقَاتِلَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ لَقِيَهُ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ فَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ بَيْنَ مُحَلِّمٍ وَبَيْنَهُ إِحْنَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَا غَفَرَ اللَّه لَكَ» فَمَا مَضَتْ بِهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ حَتَّى مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّه أَرَادَ أَنْ يُرِيَكُمْ عِظَمَ الذَّنَبِ عِنْدَهُ» ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُلْقَى عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ.
الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ
الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَدْ وَقَعَتْ لَهُ مِثْلَ وَاقِعَةِ أُسَامَةَ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لَاذَ بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ أَسْلَمْتُ للَّه تَعَالَى أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّه بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه لَا تَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ بَعْدَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَشْرَعَ أَحَدُكُمُ الرُّمْحَ إِلَى الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ سِنَانُهُ عِنْدَ نُقْرَةِ نَحْرِهِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه فَلْيَرْفَعْ عَنْهُ الرُّمْحَ»
قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّه: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ عِنْدَ وُقُوعِهَا بِأَسْرِهَا، فَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ يَظُنُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَاقِعَتِهِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ هَلْ تُقْبَلُ أَمْ لَا؟ فَالْفُقَهَاءُ قَبِلُوهَا وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بَلْ أَوْجَبَ/ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الْأَنْفَالِ: ٣٨] وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ الْكَفَرَةِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ مَقْبُولَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [الشُّورَى: ٢٥] وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَفِي جَمِيعِ أَصْنَافِ الْخَلْقِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إِسْلَامُ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً عَامٌّ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَفِي حَقِّ الْبَالِغِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ صَحَّ الْإِسْلَامُ مِنْهُ لَوَجَبَ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَكَانَ ذَلِكَ إِذْنًا فِي الْكُفْرِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، لَكِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» الْحَدِيثَ،
واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يُحْكَمُ بِهَذَا الْقَدْرِ بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَلَوْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه، فَعِنْدَ قَوْمٍ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّه إِلَى الْعَرَبِ لَا إِلَى الْكُلِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا الَّذِي هُوَ الرَّسُولُ الْحَقُّ بَعْدُ مَا جَاءَ وَسَيَجِيءُ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَعْتَرِفَ بِأَنَّ الدِّينَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الدِّينَ الْمَوْجُودَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هو الحق واللَّه أعلم.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَمِيعُ مَتَاعِ الدُّنْيَا عَرَضٌ