للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِهَذِهِ الْآيَةِ، فَيَلْزَمُ صَيْرُورَةُ الْآيَةِ مُجْمَلَةً وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ إِيقَاعُ الْمَسْحِ عَلَى أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ كَانَتِ الْآيَةُ مُبِيِّنَةً مُفِيدَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَحْمَلٍ تَبْقَى الْآيَةُ مَعَهُ مُفِيدَةً أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَحْمَلٍ تَبْقَى الْآيَةُ مَعَهُ مُجْمَلَةً، فَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى. وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ مِنَ الْآيَةِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: لَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ:

يَجُوزُ. لَنَا أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ، وَمَسْحُ الْعِمَامَةِ لَيْسَ مَسْحًا لِلرَّأْسِ/ وَاحْتَجُّوا بِمَا

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ.

جَوَابُنَا: لَعَلَّهُ مَسَحَ قَدْرَ الْفَرْضِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْبَقِيَّةَ عَلَى الْعِمَامَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ وَفِي غَسْلِهِمَا،

فَنَقَلَ الْقَفَّالُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا الْمَسْحُ،

وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ: فَرْضُهُمَا الْغَسْلُ، وَقَالَ دَاوُدُ الْأَصْفَهَانِيُّ: يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ النَّاصِرِ لِلْحَقِّ مِنْ أَئِمَّةِ الزَّيْدِيَّةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: الْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ.

حُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْمَسْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ الْمَشْهُورَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَأَرْجُلَكُمْ فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ بِالْجَرِّ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ بِالنَّصْبِ، فَنَقُولُ: أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْجَرِّ فَهِيَ تَقْتَضِي كَوْنَ الْأَرْجُلِ معطوفة على الرؤوس، فَكَمَا وَجَبَ الْمَسْحُ فِي الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَرْجُلِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا كُسِرَ عَلَى الْجِوَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَقَوْلِهِ كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلٍ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكَسْرَ عَلَى الْجِوَارِ مَعْدُودٌ في اللحن الذي قد يُتَحَمَّلُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فِي الشِّعْرِ، وَكَلَامُ اللَّه يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْكَسْرَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ حَيْثُ يَحْصُلُ الْأَمْنُ مِنَ الِالْتِبَاسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْخَرِبَ لَا يَكُونُ نَعْتًا لِلضَّبِّ بَلْ لِلْجُحْرِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْنُ مِنَ الِالْتِبَاسِ غَيْرُ حَاصِلٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْكَسْرَ بِالْجِوَارِ إِنَّمَا يَكُونُ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَأَمَّا مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ فَلَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ فَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهَا توجب المسح، وذلك لأن قوله وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فرؤوسكم في النَّصْبِ وَلَكِنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِالْبَاءِ، فَإِذَا عَطَفْتَ الْأَرْجُلَ على الرؤوس جَازَ فِي الْأَرْجُلِ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الرؤوس، وَالْجَرُّ عَطْفًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ لِلنُّحَاةِ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: ظَهَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلُ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ وَأَرْجُلَكُمْ هُوَ قَوْلَهُ وَامْسَحُوا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَوْلَهُ فَاغْسِلُوا لَكِنِ الْعَامِلَانِ إِذَا اجْتَمَعَا عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ كَانَ إِعْمَالُ الْأَقْرَبِ أَوْلَى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَامِلُ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ وَأَرْجُلَكُمْ هُوَ قَوْلَهُ وَامْسَحُوا فَثَبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ وَأَرْجُلَكُمْ بِنَصْبِ اللَّامِ تُوجِبُ الْمَسْحَ أَيْضًا، فَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْمَسْحِ، ثُمَّ قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>