للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ: أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُمَاثَلَةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَالشَّارِعُ أَوْجَبَ رِعَايَةَ الْمُمَاثَلَةِ فَوَجَبَ رِعَايَتُهَا بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَمْكَنَتْ رِعَايَتُهَا فِي الصُّورَةِ وَجَبَ ذَلِكَ وإن لم يكن رِعَايَتُهَا إِلَّا بِالْقِيمَةِ وَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: جَمَاعَةٌ مُحْرِمُونَ قَتَلُوا صَيْدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِلَّا جزاء واحدا، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّه: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ.

حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْمِثْلِ، وَمِثْلُ الْوَاحِدِ وَاحِدٌ وَأُكِّدَ هَذَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا: حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ، بَيَانُ الْأَوَّلِ أَنَّ جَمَاعَةً لَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلَ صَيْدًا فَقَتَلُوا صَيْدًا وَاحِدًا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَتْلِ يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ يَقْتُلُونَ وَاحِدًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ فَقَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً صِيغَةُ عُمُومٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ الْقَاتِلِينَ. أَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه:

بِأَنَّ الْقَتْلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيَمْتَنِعُ حُصُولُهُ بِتَمَامِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اجْتَمَعُوا حَصَلَ بِمَجْمُوعِ أَفْعَالِهِمْ قَتْلٌ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ بِقَاتِلٍ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمَّا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ فَذَاكَ ثَبَتَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الْمُحْرِمُ إِذَا دَلَّ غَيْرَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنِ الدَّالُّ الْجَزَاءَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: يَضْمَنُ حجة الشافعي أن وجوب الجزاء متعلق بِالْقَتْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالدِّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ فَلَا يَجِبُ بِالدِّلَالَةِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ، وَكَالدِّلَالَةِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ. حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ سُئِلَ عُمَرُ عَنْ هَذِهِ/ الْمَسْأَلَةِ فَشَاوَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَأَجْمَعَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ، أَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: بِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ خَيْرٌ مِنْ أَثَرِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: إِنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ الْعُشْرُ فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَقَالَ دَاوُدُ لَا يَضْمَنُ الْبَتَّةَ سِوَى الْقَتْلِ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ عَلَيْهِ شَاةٌ. حُجَّةُ دَاوُدَ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْجَزَاءِ هُوَ الْقَتْلُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الْقَتْلُ: وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْجَزَاءُ الْبَتَّةَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْقَتْلِ، وُجُوبُ مِثْلِ الْمَقْتُولِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ هَذَا لَا يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَتْلِ فَسَقَطَ قَوْلُهُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: إِذَا رَمَى مِنَ الْحِلِّ والصيد في الحل، فمر في السهم طَائِفَةٍ مِنَ الْحَرَمِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: يَحْرُمُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْرُمُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ سَبَبَ الذَّبْحِ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ، بَعْضُهَا مُبَاحٌ وَبَعْضُهَا مُحَرَّمٌ، وَهُوَ الْمُرُورُ فِي الْحَرَمِ، وَمَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ إِلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، لَا سِيَّمَا فِي الذَّبْحِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحُرْمَةُ. وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ نَهْيٌ لَهُ عَنِ الِاصْطِيَادِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَجَبَ أَنْ لَا تَحْصُلَ الْحُرْمَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>