أَتَقْتُلُ فِي الْحَرَمِ وَتُسَفِّهُ الْحُكْمَ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فَأَنَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الَّذِي لَهُ مِثْلٌ ضَرْبَانِ فَمَا حَكَمَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ بِحُكْمٍ لا يعدل عنه إلى غيره، لأنه شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَضَرُوا التَّأْوِيلَ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ الصَّحَابَةُ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ عَدْلَيْنِ، فَيُنْظَرُ إِلَى الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْأَنْعَامِ فَكُلُّ مَا كَانَ أَقْرَبَ شَبَهًا بِهِ يُوجِبَانِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ التَّحْكِيمُ فِيمَا حَكَمَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، وفما لَمْ تَحْكُمْ بِهِ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ اثْنَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْآيَةِ، ثُمَّ ذَاكَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَضَرُوا التَّأْوِيلَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الْعَدْلَيْنِ إِذَا كَانَ أَخْطَأَ/ فِيهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يَفْسُقُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه: أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ، وَإِذَا صَدَرَ عَنْهُ الْقَتْلُ خَطَأً كَانَ عَدْلًا، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ فَقَدْ حَكَمَ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ، وَأَيْضًا
رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَوْطَأَ فَرَسَهُ ظَبْيًا، فَسَأَلَ عُمَرَ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: احْكُمْ، فَقَالَ: أَنْتَ عَدْلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاحْكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَحْكُمَ وَمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي، فَقَالَ: أَرَى فِيهِ جَدْيًا جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ، فَقَالَ: افْعَلْ مَا تَرَى،
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا قَاتِلَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ، وَحَكَمَ عَدْلَانِ آخَرَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ. فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَتَخَيَّرُ، وَالثَّانِي: يَأْخُذُ بِالْأَغْلَظِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ بَعْضُ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَوَّضَ تَعْيِينَ الْمِثْلِ إِلَى اجْتِهَادِ النَّاسِ وَظُنُونِهِمْ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الشَّارِعَ تَعَبَّدَنَا بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. مِنْهَا: الِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ، وَمِنْهَا: الْعَمَلُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَمِنْهَا: الْعَمَلُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَمِنْهَا: الْعَمَلُ بِتَحْكِيمِ الْحُكَّامِ فِي تَعْيِينِ مِثْلِ الْمَصِيدِ الْمَقْتُولِ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنْهَا: عَمَلُ الْعَامِّيِّ بالفتوى، ومنها: المل بِالظَّنِّ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا. إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: إِنِ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ تَشْبِيهَ صُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ بِصُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ هُوَ عَيْنُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ فِي بَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَإِنْ سَلَّمْتُمُ الْمُغَايَرَةَ لَمْ يَلْزَمْ، مِنْ كَوْنِ الظَّنِّ حُجَّةً فِي تِلْكَ الصُّوَرِ، كَوْنُهُ حُجَّةً فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَاسِ، إِلَّا إِذَا قِسْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، لِأَنَّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ الْحُكْمَ إِنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ فَإِنَّهُ شَرْعٌ عَامٌّ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ بَاقٍ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَشْخَاصِ الْجُزْئِيَّةِ مُتَعَذِّرٌ. وَأَمَّا التَّنْصِيصُ عَلَى الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ وَالشَّرَائِعِ الْعَامَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى يَحْكُمَانِ بِهِ هَدْيًا يُسَاقُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَيُنْحَرُ هُنَاكَ، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute