تَكُونُ قَرِيبَةً مِنَ التَّشَابُهِ. أَمَّا ثِمَارُهَا فَتَكُونُ مُخْتَلِفَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْأَشْجَارُ مُتَشَابِهَةٌ وَالثِّمَارُ مُخْتَلِفَةٌ، وَالرَّابِعُ: أَقُولُ إِنَّكَ قَدْ تَأْخُذُ الْعُنْقُودَ مِنَ الْعِنَبِ فَتَرَى جَمِيعَ حَبَّاتِهِ مُدْرَكَةً نَضِيجَةً حُلْوَةً طَيِّبَةً إِلَّا حَبَّاتٍ مَخْصُوصَةً مِنْهَا بَقِيَتْ عَلَى أَوَّلِ حَالِهَا مِنَ الْخُضْرَةِ وَالْحُمُوضَةِ وَالْعُفُوصَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَبَعْضُ حَبَّاتِ ذَلِكَ الْعُنْقُودِ مُتَشَابِهَةٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مُتَشَابِهٍ.
وَالْبَحْثُ الثَّانِي: يُقَالُ: اشْتَبَهَ الشَّيْئَانِ وَتَشَابَهَا كَقَوْلِكَ اسْتَوَيَا وَتَسَاوَيَا، وَالِافْتِعَالُ وَالتَّفَاعُلُ يَشْتَرِكَانِ كَثِيرًا، وَقُرِئَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ.
وَالْبَحْثُ الثَّالِثُ: إِنَّمَا قَالَ مُشْتَبِهًا وَلَمْ يَقُلْ مُشْتَبِهِينَ إِمَّا اكْتِفَاءً بِوَصْفِ أَحَدِهِمَا، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ: وَالزَّيْتُونَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ وَالرُّمَّانَ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ:
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي ... بَرِيًّا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوَى رَمَانِي
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ثُمُرِهِ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو ثُمْرِهِ بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ. أَمَّا قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ: فَلَهَا وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَبْيَنُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ ثُمُرِهِ عَلَى ثُمُرٍ كَمَا قَالُوا: خَشَبَةٌ وَخُشُبٌ. قَالَ تَعَالَى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [الْمُنَافِقُونَ: ٤] وَكَذَلِكَ أَكَمَةٌ وَأُكُمٌ. ثُمَّ يُخَفِّفُونَ فَيَقُولُونَ أُكْمٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرَى الْأَكَمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَمَعَ ثُمُرَهُ عَلَى ثِمَارٍ. ثُمَّ جَمَعَ ثِمَارًا عَلَى ثُمُرٍ فَيَكُونُ ثُمُرٌ جَمْعَ الْجَمْعِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو فَوَجْهُهَا أَنَّ تَخْفِيفَ ثُمُرٍ ثُمْرٌ كَقَوْلِهِمْ: رُسُلٌ وَرُسْلٌ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ فَوَجْهُهَا: أَنَّ الثَّمَرَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ، مِثْلُ بَقَرَةٍ وَبَقَرٍ، وَشَجَرَةٍ وَشَجَرٍ، وَخَرَزَةٍ وَخَرَزٍ.
وَالْبَحْثُ الثَّانِي: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْيَنْعُ النُّضْجُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ يَنَعَ يَيْنِعُ، بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَنِعَتِ الثَّمَرَةُ بِالْكَسْرِ، وَأَيْنَعَتْ فَهِيَ تَيْنَعُ وَتُونِعُ إِينَاعًا وَيَنْعًا بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَيُنْعًا بِضَمِّ الْيَاءِ، وَالنَّعْتُ يَانِعٌ وَمُونِعٌ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقُرِئَ وَيَنْعِهِ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيَانِعِهِ.
وَالْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ أَمْرٌ بِالنَّظَرِ فِي حَالِ الثَّمَرِ فِي أَوَّلِ حُدُوثِهَا. وَقَوْلِهِ:
وَيَنْعِهِ أَمْرٌ بِالنَّظَرِ فِي حَالِهَا عِنْدَ تَمَامِهَا وَكَمَالِهَا، وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَالْحُجَّةِ الَّتِي هِيَ تَمَامُ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الثِّمَارَ وَالْأَزْهَارَ تَتَوَلَّدُ فِي أَوَّلِ حُدُوثِهَا عَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَعِنْدَ تَمَامِهَا وَكَمَالِهَا لَا تَبْقَى عَلَى حَالَاتِهَا الْأُولَى، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى أَحْوَالٍ مُضَادَّةٍ لِلْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ، مِثْلِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِلَوْنِ الْخُضْرَةِ فَتَصِيرُ مُلَوَّنَةً بِلَوْنِ السَّوَادِ أَوْ بِلَوْنِ الْحُمْرَةِ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْحُمُوضَةِ فَتَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِالْحَلَاوَةِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بَارِدَةً بِحَسَبِ الطَّبِيعَةِ، فَتَصِيرُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ حَارَّةً بِحَسَبِ الطَّبِيعَةِ، فَحُصُولُ هَذِهِ التَّبَدُّلَاتِ وَالتَّغَيُّرَاتِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، وَذَلِكَ السَّبَبُ لَيْسَ هُوَ تَأْثِيرَ الطَّبَائِعِ وَالْفُصُولِ وَالْأَنْجُمِ وَالْأَفْلَاكِ، لِأَنَّ نِسْبَةَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ بِأَسْرِهَا إِلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْسَامِ الْمُتَبَايِنَةِ مُتَسَاوِيَةٌ مُتَشَابِهَةٌ، وَالنِّسَبُ الْمُتَشَابِهَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا لِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَمَّا بَطُلَ إِسْنَادُ حُدُوثِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ إِلَى الطَّبَائِعِ وَالْأَنْجُمِ والأفلاك