فَإِنْ قِيلَ: يَشْكُلُ هَذَا بِجَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ يُسَمَّوْنَ بِمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ لَا يُنَافِي الْعَلَمِيَّةَ. قُلْنَا: قَوْلُنَا الم لَا يُفِيدُ مَعْنًى الْبَتَّةَ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ عَلَمًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ سِوَى التَّعْيِينِ وَإِزَالَةِ الِاشْتِبَاهِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْغَرَضُ امْتَنَعَ جَعْلُهُ عَلَمًا، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ فِي التَّسْمِيَةِ بِهِ مَقَاصِدَ أُخْرَى سِوَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ التَّبَرُّكُ بِهِ لِكَوْنِهِ اسْمًا لِلرَّسُولِ، وَلِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الشَّرَفِ، فَجَازَ أَنْ يَقْصِدَ التَّسْمِيَةَ بِهِ لِغَرِضٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ سِوَى التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا: الم فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ سِوَى التَّعْيِينِ، فَإِذَا لَمْ يُفِدْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ بِهِ عَبَثًا مَحْضًا. وَثَانِيهَا: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ أَسْمَاءً لِلسُّوَرِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَيْسَتْ عَلَى قَوَانِينِ أَسْمَاءِ الْعَرَبِ، وَالْأُمُورُ الْعَجِيبَةُ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْفَائِهِ رَغْبَةٌ أَوْ رَهْبَةٌ، وَلَوْ تَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا لَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِالتَّوَاتُرِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِيهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَهُمْ مَا تَجَاوَزُوا مَا سَمَّوْا بِهِ مَجْمُوعَ اسْمَيْنِ نَحْوَ مَعْدِ يَكْرِبَ وَبَعْلَبَكَّ، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَجْمُوعِ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ وَأَرْبَعَةٍ وَخَمْسَةٍ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا أَسْمَاءُ السُّوَرِ خُرُوجٌ عَنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَرَابِعُهَا: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَسْمَاءَ هَذِهِ السُّوَرِ لَوَجَبَ اشْتِهَارُ هَذِهِ السُّوَرِ بِهَا لَا بِسَائِرِ الْأَسْمَاءِ، لَكِنَّهَا إِنَّمَا اشْتَهَرَتْ بِسَائِرِ الْأَسْمَاءِ، كَقَوْلِهِمْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، وَخَامِسُهَا: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ دَاخِلَةٌ فِي السُّورَةِ وَجُزْءٍ مِنْهَا، وَجُزْءُ الشَّيْءِ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّيْءِ بِالرُّتْبَةِ، وَاسْمُ الشَّيْءِ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الشَّيْءِ بِالرُّتْبَةِ، فَلَوْ جَعَلْنَاهَا اسْمًا لِلسُّورَةِ لَزِمَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ مَعًا، وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِنْ قِيلَ:
مَجْمُوعُ قَوْلِنَا: «صَادٌ» اسْمٌ لِلْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَكَّبُ اسْمًا لِبَعْضِ مُفْرَدَاتِهِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَعْضُ مُفْرَدَاتِ ذَلِكَ الْمُرَكَّبِ اسْمًا لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ يَتَأَخَّرُ عَنِ الْمُفْرَدِ، وَالِاسْمُ يَتَأَخَّرُ عَنِ الْمُسَمَّى، فَلَوْ جَعَلْنَا الْمُرَكَّبَ اسْمًا لِلْمُفْرَدِ لَمْ يلزم إلا تأخر ذلك المركب عن ذَلِكَ الْمُفْرَدِ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٌ، أَمَّا لَوْ جَعَلْنَا الْمُفْرَدَ اسْمًا لِلْمُرَكَّبِ لَزِمَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُفْرَدٌ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اسْمٌ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا، / وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَسَادِسُهَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ لَا تَخْلُوَ سُورَةٌ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ مِنِ اسْمٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ حَاصِلٍ.
الْجَوَابُ: «قَوْلُهُ الْمِشْكَاةُ وَالسِّجِّيلُ لَيْسَتَا مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ» قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَرَبِيٌّ، لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ اللُّغَاتِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اللُّغَتَيْنِ: الثَّانِي: أَنَّ الْمُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَمْ يُوجَدْ أَوَّلًا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا عَرَفُوهُ عَرَفُوا مِنْهَا أَسْمَاءَهَا، فَتَكَلَّمُوا بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ، فَصَارَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ عَرَبِيَّةً أَيْضًا.
قَوْلُهُ: «وُجِدَ أَنَّ الْمُجْمَلَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ بَيَانًا» قُلْنَا: كُلُّ مُجْمَلٍ وُجِدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ وُجِدَ فِي الْعَقْلِ، أَوْ فِي الْكِتَابِ، أَوْ فِي السُّنَّةِ بَيَانُهُ، وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ، إِنَّمَا الْبَيَانُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ: «لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِسْكَاتَهُمْ عَنِ الشَّغَبِ؟» قُلْنَا: لَوْ جَازَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِهَذَا الْغَرَضِ فَلْيَجُزْ ذِكْرُ سَائِرِ الْهَذَيَانَاتِ لِمِثْلِ هَذَا الْغَرَضِ، وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَنَا: «الم» غَيْرُ مَوْضُوعٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِإِفَادَةِ تِلْكَ الْمَعَانِي، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَلِأَنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ، فَلَيْسَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِهَا أَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute