للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتِ الدُّنْيَا خَلْفَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهَا. وَثَالِثُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَالسُّدِّيِّ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يَعْنِي الدُّنْيَا وَمِنْ خَلْفِهِمْ الْآخِرَةَ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ بِالدُّنْيَا لِأَنَّهَا بَيْنَ يَدَيِ الْإِنْسَانِ يَسْعَى فِيهَا وَيُشَاهِدُهَا وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَهِيَ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ وَرَابِعُهَا: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فِي تَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ الَّذِينَ يَكُونُونَ حَاضِرِينَ وَمِنْ خَلْفِهِمْ فِي تَكْذِيبِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ فَفِيهِ وجوه: أحدها: عَنْ أَيْمانِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ فِي انواع المعاصي وثانيها: عَنْ أَيْمانِهِمْ فِي الصَّرْفِ عَنِ الْحَقِّ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ في الترغيب في الباطل وثالثها: عَنْ أَيْمانِهِمْ يعني افترهم عَنِ الْحَسَنَاتِ/ وَالشَّمَائِلُ عَنِ السَّيِّئَاتِ قَوْلٌ حَسَنٌ لان قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْأَيْمَانُ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَسَنَاتِ/ وَالشَّمَائِلُ عَنِ السَّيِّئَاتِ قَوْلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: اجْعَلْنِي فِي يَمِينِكَ وَلَا تَجْعَلْنِي فِي شِمَالِكَ يُرِيدُ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُقَدَّمِينَ عِنْدَكَ وَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْمُؤَخَّرِينَ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ يُقَالُ: هُوَ عِنْدَنَا بِالْيَمِينِ أَيْ بِمَنْزِلَةٍ حَسَنَةٍ وَإِذَا خَبُثَتْ مَنْزِلَتُهُ قَالَ:

أَنْتَ عِنْدِي بِالشِّمَالِ فَهَذَا تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ أَمَّا حُكَمَاءُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِيهَا وُجُوهًا أُخْرَى أَوَّلُهَا: وَهُوَ الْأَقْوَى الْأَشْرَفُ أَنَّ فِي الْبَدَنِ قُوًى أَرْبَعًا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِقُوَّاتِ السعادات الروحانية فإحداها: القوة الخالية الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا مِثْلُ الْمَحْسُوسَاتِ وَصُوَرِهَا وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنَ الدِّمَاغِ وَصُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ إِنَّمَا تَرِدُ عَلَيْهَا مِنْ مُقَدَّمِهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ.

وَالْقُوَّةُ الثَّانِيَةُ: الْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ الَّتِي تَحْكُمُ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسَاتِ بِالْأَحْكَامِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْمَحْسُوسَاتِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَطْنِ الْمُؤَخَّرِ مِنَ الدِّمَاغِ وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَمِنْ خَلْفِهِمْ.

وَالْقُوَّةُ الثَّالِثَةُ: الشَّهْوَةُ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْكَبِدِ وَهِيَ مِنْ يَمِينِ الْبَدَنِ.

وَالْقُوَّةُ الرَّابِعَةُ: الْغَضَبُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي الْبَطْنِ الْأَيْسَرِ مِنَ الْقَلْبِ فَهَذِهِ الْقُوَى الْأَرْبَعُ هِيَ الَّتِي تَتَوَلَّدُ عَنْهَا أَحْوَالٌ تُوجِبُ زَوَالَ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالشَّيَاطِينُ الْخَارِجَةُ مَا لَمْ تَسْتَعِنْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى الْأَرْبَعِ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى إِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ وَجْهٌ حَقِيقِيٌّ شَرِيفٌ وَثَانِيهَا: إِنَّ قَوْلَهُ: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الْمُرَادُ مِنْهُ الشُّبُهَاتُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى التَّشْبِيهِ إِمَّا فِي الذَّاتِ والصفات مثل شبه المجسمة واما الْأَفْعَالِ: مِثْلُ شُبَهِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ وَمِنْ خَلْفِهِمْ الْمُرَادُ مِنْهُ الشُّبُهَاتُ النَّاشِئَةُ عَنِ التَّعْطِيلِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ لِشُبُهَاتِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشَاهِدُ هَذِهِ الْجِسْمَانِيَّاتِ وَأَحْوَالَهَا فَهِيَ حَاضِرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَائِبَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِهَذَا الشَّاهِدِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ: وَمِنْ خَلْفِهِمْ كِنَايَةً عَنِ التَّعْطِيلِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ عَيْنُ التَّعْطِيلِ فَلَمَّا جَعَلْنَا قَوْلَهُ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ كِنَايَةً عَنِ التَّشْبِيهِ وَجَبَ أَنْ نَجْعَلَ قَوْلَهُ: وَمِنْ خَلْفِهِمْ كِنَايَةً عَنِ التَّعْطِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّرْغِيبُ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ التَّرْغِيبُ فِي فِعْلِ الْمَنْهِيَّاتِ وَثَالِثُهَا: نُقِلَ عَنْ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَّا وَيَأْتِينِي الشَّيْطَانُ مِنَ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي أَمَّا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ فَيَقُولُ: لَا تَخَفْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَأَقْرَأُ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [طه: ٨٢] وَأَمَّا مِنْ خَلْفِي: فَيُخَوِّفُنِي مِنْ وُقُوعِ أَوْلَادِي فِي الْفَقْرِ فَأَقْرَأُ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هُودٍ: ٦] وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ يَمِينِي فَيَأْتِينِي من قبل الثناء فاقرأ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:

<<  <  ج: ص:  >  >>