للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ مَلَكَيْنِ وَيَقُولُ: مَا طَمِعَا فِي أَنْ يَكُونَا مَلَكَيْنِ لَكِنَّهُمَا اسْتَشْرَفَا إِلَى أَنْ يَكُونَا مَلِكَيْنِ وَإِنَّمَا أَتَاهُمَا الْمَلْعُونُ مِنْ جِهَةِ الْمُلْكِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى [طه: ١٢٠] وَأَقُولُ هَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: هَبْ أَنَّهُ حَصَلَ الْجَوَابُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: فَهَلْ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ بَاطِلَةٌ أَوْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ؟

وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا وَأَمَّا الثَّانِي: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْإِشْكَالُ بَاقٍ لِأَنَّ عَلَى تِلْكَ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ بِالتَّطْمِيعِ قَدْ وَقَعَ فِي أَنْ يَصِيرَ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْأَكْلِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ السُّؤَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ سُجُودَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ لَهُ فِي أَنْ يَسْكُنَ الْجَنَّةَ وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا رَغَدًا كَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ وَلَا مَزِيدَ فِي الْمُلْكِ عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ دَرَجَةَ الْمَلَائِكَةِ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ.

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ/ وَلِأَنَّ آدَمَ حِينَ طَلَبَ الْوُصُولَ إِلَى دَرَجَةِ الْمَلَائِكَةِ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فزال الِاسْتِدْلَالُ وَالثَّانِي: إِنَّ بِتَقْدِيرِ «أَنْ» تَكُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَانِ النُّبُوَّةِ فَلَعَلَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَغِبَ فِي أَنْ يَصِيرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ أَوْ فِي خلقة اللذات بِأَنْ يَصِيرَ جَوْهَرًا نُورَانِيًّا وَفِي أَنْ يَصِيرَ مِنْ سُكَّانِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: نُقِلَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ قَالَ لِلْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَفِي قَوْلِهِ: وَقاسَمَهُما قَالَ عَمْرٌو قُلْتُ لِلْحَسَنِ: فَهَلْ صَدَّقَاهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْحَسَنُ مَعَاذَ اللَّهِ لَوْ صَدَّقَاهُ لَكَانَا مِنَ الْكَافِرِينَ وَوَجْهُ السُّؤَالِ: أَنَّهُ كَيْفَ يَلْزَمُ هَذَا التَّكْفِيرُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَدِّقَا إِبْلِيسَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ وَالْجَوَابُ: ذَكَرُوا فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ التَّكْفِيرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ صَدَّقَ إِبْلِيسَ فِي الْخُلُودِ لَكَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ إِنْكَارَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ كُفْرٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ حُصُولُ الْكُفْرِ؟ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: إِنَّ لَفْظَ الْخُلُودِ مَحْمُولٌ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ لَا عَلَى الدَّوَامِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرُوهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: هَبْ ان الخلود مفسر بالدوام الا انا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِقَادَ الدَّوَامِ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ تَعَالَى هَلْ يُمِيتُ هَذَا الْمُكَلَّفَ أَوْ لَا يُمِيتُهُ عِلْمٌ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ دَلِيلِ السَّمْعِ فَلَعَلَّهُ تَعَالَى مَا بَيَّنَ فِي وَقْتِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يُمِيتُ الْخَلْقَ وَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ كَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُجَوِّزُ دَوَامَ الْبَقَاءِ فَلِهَذَا السَّبَبِ رَغِبَ فِيهِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالتَّكْفِيرُ غَيْرُ لَازِمٍ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: ثَبَتَ بِمَا سَبَقَ أَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَوْ صَدَّقَا إِبْلِيسَ فِيمَا قَالَ لَمْ يَلْزَمْ تَكْفِيرُهُمَا فَهَلْ يَقُولُونَ إِنَّهُمَا صَدَّقَاهُ فِيهِ قَطْعًا؟ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الْقَطْعُ فَهَلْ يَقُولُونَ إِنَّهُمَا ظَنَّا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ؟ أَوْ يُنْكِرُونَ هَذَا الظَّنَّ أَيْضًا وَالْجَوَابُ: إِنَّ الْمُحَقِّقِينَ أَنْكَرُوا حُصُولَ هَذَا التصديق قطعا وظنّا بل الصواب إِنَّمَا أَقْدَمَا عَلَى الْأَكْلِ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لَا أَنَّهُمَا صَدَّقَاهُ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا كَمَا نَجِدُ أَنْفُسَنَا عِنْدَ الشَّهْوَةِ نُقْدِمُ عَلَى الْفِعْلِ إِذَا زَيَّنَ لَنَا الْغَيْرُ مَا نَشْتَهِيهِ وَإِنْ لَمْ نَعْتَقِدْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>