للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسؤال السابع: انه تعالى خلق السموات وَالْأَرْضَ فِي مُدَّةٍ مُتَرَاخِيَةٍ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِهَا وَضَبْطِهَا بِالْأَيَّامِ السِّتَّةِ؟ فَنَقُولُ: أَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَالْأَمْرُ فِي الْكُلِّ سَهْلٌ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيُحْكِمُ مَا يُرِيدُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ وَكُلُّ شَيْءٍ صُنْعُهُ وَلَا عِلَّةَ لِصُنْعِهِ. ثُمَّ نَقُولُ:

أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: فَجَوَابُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر في أول التوراة انه خلق السموات وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَالْعَرَبُ كَانُوا يُخَالِطُونَ الْيَهُودَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ لَا تَشْتَغِلُوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ فَإِنَّ رَبَّكُمْ هُوَ الَّذِي سَمِعْتُمْ مِنْ عُقَلَاءِ الناس انه هو الذي خلق السموات وَالْأَرْضَ عَلَى غَايَةِ عَظَمَتِهَا وَنِهَايَةِ جَلَالَتِهَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إِيجَادِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَكِنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدًّا مَحْدُودًا وَوَقْتًا مُقَدَّرًا فَلَا يُدْخِلُهُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إِيصَالِ الثَّوَابِ إِلَى الْمُطِيعِينَ فِي الْحَالِ وَعَلَى إِيصَالِ الْعِقَابِ إِلَى الْمُذْنِبِينَ فِي الْحَالِ إِلَّا انه يؤخر هما إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مُقَدَّرٍ فَهَذَا التَّأْخِيرُ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّهُ تَعَالَى أَهْمَلَ الْعِبَادَ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ خَصَّ كُلَّ شَيْءٍ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِسَابِقِ مَشِيئَتِهِ فَلَا يَفْتُرُ عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ ق: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [ق: ٣٨ ٣٩] بَعْدَ أَنْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: ٣٦ ٣٧] فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ أَهْلَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِهِ وَالْمُكَذِّبِينَ لِأَنْبِيَائِهِ مَنْ كَانَ أَقْوَى بَطْشًا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ إِلَّا أَنَّهُ أَمْهَلَ هَؤُلَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ كَمَا خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ مُتَّصِلَةٍ لَا لِأَجْلِ لُغُوبٍ لَحِقَهُ فِي الْإِمْهَالِ وَلَمَّا بَيَّنَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَ الْعَالَمَ لَا دُفْعَةً لَكِنْ قَلِيلًا قَلِيلًا قَالَ بعده: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّه تَعَالَى وَفَوِّضِ الْأَمْرَ إِلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا يَقُولُهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَ الْعَالَمَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ لِيُعَلِّمَ عِبَادَهُ الرِّفْقَ فِي الْأُمُورِ وَالصَّبْرَ فِيهَا وَلِأَجْلِ أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُكَلَّفُ تَأَخُّرَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْإِهْمَالِ وَالتَّعْطِيلِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا أُحْدِثَ دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْقَطَعَ طَرِيقُ الْإِحْدَاثِ فَلَعَلَّهُ يَخْطُرُ/ بِبَالِ بَعْضِهِمْ أَنَّ ذَاكَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ أَمَّا إِذَا حَدَثَتِ الْأَشْيَاءُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَالتَّوَاصُلِ مَعَ كَوْنِهَا مُطَابِقَةً لِلْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهَا وَاقِعَةً بِإِحْدَاثِ مُحْدِثٍ قَدِيمٍ حَكِيمٍ وَقَادِرٍ عَلِيمٍ رَحِيمٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى يخلق العاقل أولا ثم يخلق السموات وَالْأَرْضَ بَعْدَهُ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْعَاقِلَ إِذَا شَاهَدَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحِينَ حُدُوثِ شَيْءٍ آخَرَ عَلَى التَّعَاقُبِ وَالتَّوَالِي كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى لِعِلْمِهِ وَبَصِيرَتِهِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ عَلَى عَقْلِهِ ظُهُورُ هَذَا الدَّلِيلِ لَحْظَةً بَعْدَ لَحْظَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى فِي إِفَادَةِ الْيَقِينِ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ: فجوابه ان ذكر السموات وَالْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَشْتَمِلُ أَيْضًا عَلَى ذِكْرِ مَا بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ فَقَالَ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ وَقَالَ: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>