الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قَوْلُهُ: لَقَدْ أَرْسَلْنا جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
فَإِنْ قَالُوا: مَا السَّبَبُ فِي أَنَّهُمْ لَا يَكَادُونَ يَنْطِقُونَ بِهَذِهِ اللَّامِ إِلَّا مَعَ قَدْ وَذِكْرُ هَذِهِ اللَّامِ بِدُونِ قَدْ نَادِرٌ كَقَوْلِهِ:
حَلَفْتُ لَهَا بِاللَّهِ حلفة فاجر ... لناموا ...
قلنا: إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْقَسَمِيَّةَ لَا تُسَاقُ إِلَّا تَأْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهَا الَّتِي هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التَّوَقُّعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى «قَدْ» عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْمُخَاطَبِ كَلِمَةَ الْقَسَمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ الْكِسَائِيُّ غَيْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْإِلَهِ عَلَى اللَّفْظِ وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِلَهِ عَلَى الْمَوْضِعِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ مَا لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَجْهُ مَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ قَوْلُهُ: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ [آلِ عِمْرَانَ: ٦٢] فَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا اللَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: مَا مِنْ إِلهٍ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: غَيْرُهُ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ إِلهٍ فَيَكُونُ (غَيْرُ) رَفْعًا بِالِاسْتِثْنَاءِ وقال صاحب الكشاف: قرئ (غير) الحركات الثَّلَاثِ وَذَكَرَ وَجْهَ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِيَّاهُ كَقَوْلِكَ مَا فِي الدَّارِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا زَيْدًا وَغَيْرَ زَيْدٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَهُوَ خَبَرُ (مَا) لِأَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ غَيْرُهُ صِفَةً لِقَوْلِهِ:
إِلهٍ لَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْمَنْفِيِّ خَبَرٌ وَالْكَلَامُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ زَيْدٌ الْعَاقِلُ وَسَكَتَّ لَمْ يُفِدْ مَا لَمْ تَذْكُرْ خَبَرَهُ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ فِي الْوُجُودِ أَقُولُ: اتَّفَقَ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إِضْمَارٍ وَالتَّقْدِيرُ: لَا إِلَهَ فِي الْوُجُودِ أَوْ لَا إِلَهَ لَنَا إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَلَى هَذَا الْكَلَامِ حُجَّةً فَإِنَّا نَقُولُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّ يُقَالَ دَخَلَ حَرْفُ النَّفْيِ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ؟ وَعَلَى هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَحَقُّقَ لِحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ وَإِذَا حَمَلْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتَغْنَيْنَا عَنِ الْإِضْمَارِ الَّذِي ذَكَرُوهُ.
فَإِنْ قَالُوا: صَرْفُ النَّفْيِ إِلَى الْمَاهِيَّةِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهَا، فَلَا يمكن ان يقال/ لاسواد بِمَعْنَى ارْتِفَاعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَإِنَّمَا الْمُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ وَلَا حاصلة وحينئذ يجب إضمار الخبر.
فنقول: هذه الْكَلَامُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاهِيَّةَ لَا يُمْكِنُ انْتِفَاؤُهَا وَارْتِفَاعُهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَوَجَبَ امْتِنَاعُ ارْتِفَاعِ الْوُجُودِ لَأَنَّ الْوُجُودَ أَيْضًا حَقِيقَةٌ مِنَ الْحَقَائِقِ وَمَاهِيَّةٌ فَلِمَ لَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُ سَائِرِ الْمَاهِيَّاتِ؟
فَإِنْ قَالُوا: إِذَا قُلْنَا لَا رَجُلَ وَعَنَيْنَا بِهِ نَفْيَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا فَهَذَا النَّفْيُ لَمْ يَنْصَرِفْ إِلَى مَاهِيَّةِ الْوُجُودِ وَإِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى كَوْنِ مَاهِيَّةِ الرَّجُلِ مَوْصُوفَةً بِالْوُجُودِ.
فَنَقُولُ: تِلْكَ الْمَوْصُوفِيَّةُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَعَلَى الْوُجُودِ إِذْ لَوْ كَانَتْ الْمَوْصُوفِيَّةُ مَاهِيَّةً وَالْوُجُودُ مَاهِيَّةً أُخْرَى لَكَانَتْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ مَوْصُوفَةً أَيْضًا بِالْوُجُودِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْجُودُ الْوَاحِدُ مَوْجُودًا وَاحِدًا بَلْ مَوْجُودَاتٍ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ. ثُمَّ نَقُولُ مَوْصُوفِيَّةُ الْمَاهِيَّةِ بِالْوُجُودِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُغَايِرًا لِلْمَاهِيَّةِ وَالْوُجُودِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يكن امرا