للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُمَكَّنُوا مِنَ التَّصَرُّفِ في ذلك النصيب كيف شاؤوا، بَلْ يُوضَعُ فِي الرِّقَابِ بِأَنْ يُؤَدَّى عَنْهُمْ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْغَارِمِينَ يُصْرَفُ الْمَالُ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِمْ، وَفِي الْغُزَاةِ يُصْرَفُ الْمَالُ إِلَى إِعْدَادِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْغَزْوِ وَابْنُ السَّبِيلِ كَذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ، يُصْرَفُ الْمَالُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَتَصَرَّفُوا فِيهِ كما شاؤوا، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا يُصْرَفُ الْمَالُ إِلَيْهِمْ، بَلْ يُصْرَفُ إِلَى جِهَاتِ الْحَاجَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصِّفَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا اسْتَحَقُّوا سَهْمَ الزَّكَاةِ.

الصِّنْفُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْغارِمِينَ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ الْغُرْمِ فِي اللُّغَةِ لُزُومُ مَا يَشُقُّ وَالْغَرَامُ الْعَذَابُ اللَّازِمُ، وَسُمِّيَ الْعِشْقُ غَرَامًا لِكَوْنِهِ أَمْرًا شَاقًّا وَلَازِمًا، وَمِنْهُ: فُلَانٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ إِذَا كَانَ مُولَعًا بِهِنَّ، وَسُمِّيَ الدَّيْنُ غَرَامًا لِكَوْنِهِ شَاقًّا عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَازِمًا لَهُ، فَالْمُرَادُ بِالْغَارِمِينَ الْمَدْيُونُونَ، وَنَقُولُ: الدَّيْنُ إِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ لَا يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ صَرْفِ/ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْإِعَانَةُ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَسْتَوْجِبُ الْإِعَانَةَ، وَإِنْ حَصَلَ لَا بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَهُوَ قِسْمَانِ: دَيْنٌ حَصَلَ بِسَبَبِ نَفَقَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ أَوْ فِي مَصْلَحَةٍ، وَدَيْنٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَمَالَاتٍ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ، وَالْكُلُّ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ،

وَرَوَى الْأَصَمُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَضَى بِالْغُرَّةِ في الجنين، قال الْعَاقِلَةُ: لَا نَمْلِكُ الْغُرَّةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِحَمْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ: «أَعِنْهُمْ بِغُرَّةٍ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ» وَكَانَ حَمْدٌ عَلَى الصَّدَقَةِ يَوْمَئِذٍ.

الصِّنْفُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي الْغُزَاةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: لَا يُعْطَى الْغَازِي إِلَّا إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ الْقَصْرَ عَلَى كُلِّ الْغُزَاةِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى نَقَلَ الْقَفَّالُ فِي «تَفْسِيرِهِ» عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا صَرْفَ الصَّدَقَاتِ إِلَى جَمِيعِ وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنْ تَكْفِينِ الْمَوْتَى وَبِنَاءِ الْحُصُونِ وَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ عَامٌّ فِي الْكُلِّ.

وَالصِّنْفُ الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ابْنُ السَّبِيلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلصَّدَقَةِ وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيَعْجِزُ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِ إِلَّا بِمَعُونَةٍ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْ بَلَدِهِ لِحَاجَةٍ، جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ سَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ.

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ دَخَلَ فِيهِ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ مُسَمَّاةٌ بِالصَّدَقَةِ، قَالَ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التَّوْبَةِ: ١٠٣]

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ ذَوْدٍ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُدْخُلُ فِيهَا الصَّدَقَةُ الْمَنْدُوبَةُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمَنْدُوبَةِ فَإِذَا أَدْخَلْنَا فِيهِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ أَيْضًا الصَّدَقَةُ الْمَنْدُوبَةُ وَتَكُونُ الْفَائِدَةُ أَنَّ مَصَارِفَ جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ إِلَّا هَؤُلَاءِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الصدقات هاهنا هو

<<  <  ج: ص:  >  >>