للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاجِبٍ، فَدُخُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْمَعْطُوفِ، لَا يُوجِبُ دُخُولَ التَّخْصِيصَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ/ الْجَوَابُ عَنْ أَصْلِ الِاسْتِدْلَالِ فَيُقَالُ: رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى حَاصِلَةٌ فِي الْحَالِ. وَالْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لفظ الآية وهو قَوْلُهُ:

فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ أَمْرٌ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ السِّينَ تَخْتَصُّ بِالِاسْتِقْبَالِ. فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ. فَقَوْلُهُ: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ أَيْ فَسَيُوصِلُ لَكُمْ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ. وَلِمُجِيبٍ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ، بِأَنَّ إِيصَالَ الْجَزَاءِ إِلَيْهِمْ مَذْكُورٌ بِقَوْلِهِ: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَلَوْ حَمَلْنَا هَذِهِ الرُّؤْيَةَ عَلَى إِيصَالِ الْجَزَاءِ لَزِمَ التَّكْرَارُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ عَمَلَهُمْ لَا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ، فَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ؟

وَالْجَوَابُ: مَعْنَاهُ وَصُولُ خَبَرِ ذَلِكَ الْعَمَلِ إِلَى الْكُلِّ.

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ عَمَلًا فِي صَخْرَةٍ لَا بَابَ لَهَا وَلَا كُوَّةَ لَخَرَجَ عَمَلُهُ إِلَى النَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ» .

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ فِي أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ التَّائِبِينَ؟

قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ أَجْدَرَ مَا يَدْعُو الْمَرْءَ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْعِزِّ الَّذِي يَلْحَقُهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَظَّمَهُ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ، عَظُمَ فَرَحُهُ بِذَلِكَ وَقَوِيَتْ رَغْبَتُهُ فِيهِ، وَمِمَّا يُنَبِّهُ عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوَّلًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهَا رُؤْيَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُحِقِّينَ الْمُحَقِّقِينَ فِي عُبُودِيَّةِ الْحَقِّ، فَاعْمَلِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كُنْتَ مِنَ الضُّعَفَاءِ الْمَشْغُولِينَ بِثَنَاءِ الْخَلْقِ فَاعْمَلِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لِتَفُوزَ بِثَنَاءِ الْخَلْقِ، وَهُوَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] الْآيَةَ، وَالرَّسُولُ شَهِيدُ الْأُمَّةِ، كَمَا قَالَ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: ٤١] فَثَبَتَ أَنَّ الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، فَذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ أَعْمَالَهُمْ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ حُضُورِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالسَّدَادِ وَالْعَفَافِ وَالرَّشَادِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْغَيْبُ مَا يُسِرُّونَهُ، وَالشَّهَادَةُ مَا يُظْهِرُونَهُ. وَأَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْغَيْبُ مَا حَصَلَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ، وَالشَّهَادَةُ الْأَعْمَالُ/ الَّتِي تَظْهَرُ عَلَى جَوَارِحِهِمْ، وَأَقُولُ أَيْضًا مَذْهَبُ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ الْغَائِبَةَ عَنِ الْحَوَاسِّ عِلَلٌ أَوْ كَالْعِلَلِ لِلْمَوْجُودَاتِ الْمَحْسُوسَاتِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِلْعَلَمِ بِالْمَعْلُولِ. فَوَجَبَ كَوْنُ الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ سَابِقًا عَلَى الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْنَمَا جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْقُرْآنِ كَانَ الْغَيْبُ مُقَدَّمًا عَلَى الشَّهَادَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ عَلَى الرُّؤْيَةِ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ مُغَايِرٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ: وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَإِنْ حَمَلْنَا تِلْكَ الرُّؤْيَةَ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى إِيصَالِ الثَّوَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>