للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا لِلْمَطَرِ الْجُودِ.

كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ صَيِّبًا هَنِيئًا»

أَيْ مَطَرًا جُودًا وَأَيْضًا يُقَالُ لِلسَّحَابِ صَيِّبٌ قَالَ الشَّمَّاخُ:

وَأَسْحَمَ دَانٍ صَادِقِ الْوَعْدِ صَيِّبِ

وَتَنْكِيرُ صَيِّبٍ لِأَنَّهُ أُرِيدَ نَوْعٌ مِنَ الْمَطَرِ شَدِيدٌ هَائِلٌ، كَمَا تَنَكَّرَتِ النَّارُ فِي التَّمْثِيلِ الْأَوَّلِ، وَقُرِئَ «أَوْ كَصَائِبٍ» وَصَيِّبٌ أَبْلَغُ: وَالسَّمَاءُ هَذِهِ الْمِظَلَّةُ. السُّؤَالُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ مِنَ السَّمَاءِ. مَا الْفَائِدَةُ فِيهِ وَالصَّيِّبُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ السَّمَاءِ؟ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ قَالَ. أَوْ كَصَيِّبٍ فِيهِ ظُلُمَاتٌ. احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّيِّبُ نَازِلًا مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِ السَّمَاءِ دُونَ بَعْضٍ، أَمَّا لَمَّا قَالَ مِنَ السَّمَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ مُطْبِقٌ آخِذٌ بِآفَاقِ السَّمَاءِ فَكَمَا حَصَلَ فِي لَفْظِ الصَّيِّبِ مُبَالَغَاتٌ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِيبِ وَالتَّنْكِيرِ أَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ جَعَلَهُ مُطْبِقًا، الثَّانِي: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمَطَرُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنَ ارْتِفَاعِ أَبْخِرَةٍ رَطْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْهَوَاءِ فَتَنْعَقِدُ هُنَاكَ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِ الْهَوَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ مَرَّةً أُخْرَى، فَذَاكَ هُوَ الْمَطَرُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أبطل ذلك المذهب هاهنا بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الصَّيِّبَ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، كَذَا قَوْلُهُ: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً [الْفُرْقَانِ: ٤٨] وَقَوْلُهُ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النُّورِ: ٤٣] السُّؤَالُ السَّادِسُ: مَا الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ؟ الْجَوَابُ: الرَّعْدُ الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ كَأَنَّ أَجْرَامَ السَّحَابِ تَضْطَرِبُ وَتَنْتَقِضُ وَتَرْتَعِدُ إِذَا أَخَذَتْهَا الرِّيحُ فَصَوَّتَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ الِارْتِعَادِ وَالْبَرْقُ الَّذِي يَلْمَعُ مِنَ السَّحَابِ مِنْ بَرَقَ الشَّيْءُ بَرِيقًا إِذَا لَمَعَ. السُّؤَالُ السَّابِعُ: الصَّيِّبُ هُوَ الْمَطَرُ وَالسَّحَابُ فَأَيُّهُمَا أُرِيدَ فَمَا ظُلُمَاتُهُ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا ظُلُمَاتُ السَّحَابِ فَإِذَا كَانَ أَسْحَمَ مُطْبِقًا فَظُلْمَتُهُ سُحْمَتُهُ وَتَطْبِيقُهُ مَضْمُومَةٌ إِلَيْهِمَا ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَأَمَّا ظُلْمَةُ الْمَطَرِ فَظُلْمَتُهُ تَكَاثُفُهُ وَانْسِجَامُهُ بِتَتَابُعِ الْقَطْرِ وَظُلْمَتُهُ إِظْلَالُ الْغَمَامَةِ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. السُّؤَالُ الثَّامِنُ: كَيْفَ يَكُونُ الْمَطَرُ مَكَانًا لِلرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَإِنَّمَا مَكَانُهُمَا السَّحَابُ. الْجَوَابُ: لَمَّا كَانَ التَّعْلِيقُ بَيْنَ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ شَدِيدًا جَازَ إِجْرَاءُ أَحَدِهِمَا مَجْرَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ. السُّؤَالُ التَّاسِعُ: هَلَّا قِيلَ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ كَمَا قِيلَ ظُلُمَاتٌ؟ الْجَوَابُ: الْفَرْقُ أَنَّهُ حَصَلَتْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الظُّلُمَاتِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَاحْتِيجَ إِلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ، أَمَّا الرَّعْدُ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا الْبَرْقُ وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ أَنْوَاعِ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ فِي السَّحَابِ الْوَاحِدِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ الْجَمْعِ. السُّؤَالُ الْعَاشِرُ: لِمَ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُنَكَّرَاتٍ. الْجَوَابُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْوَاعٌ مِنْهَا، كَأَنَّهُ قِيلَ فِيهِ ظُلُمَاتٌ دَاجِيَةٌ وَرَعْدٌ قَاصِفٌ/ وَبَرْقٌ خَاطِفٌ. السُّؤَالُ الْحَادِي عَشَرَ: إِلَى مَاذَا يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي «يَجْعَلُونَ» .

الْجَوَابُ: إِلَى أَصْحَابِ الصَّيِّبِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ باقٍ فِي الْمَعْنَى وَلَا مَحَلَّ لِقَوْلِهِ يَجْعَلُونَ لِكَوْنِهِ مُسْتَأْنَفًا لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الرَّعْدَ وَالْبَرْقَ عَلَى مَا يُؤْذِنُ بِالشِّدَّةِ وَالْهَوْلِ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ فَكَيْفَ حَالُهُمْ مَعَ مِثْلِ ذَلِكَ الرَّعْدِ فَقِيلَ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ حَالُهُمْ مَعَ مِثْلِ ذَلِكَ الْبَرْقِ فَقَالَ: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ

[البقرة: ٢٠] السُّؤَالُ الثَّانِي عَشَرَ: رُءُوسُ الْأَصَابِعِ هِيَ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الْآذَانِ فَهَلَّا قِيلَ أَنَامِلُهُمْ؟

الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأُصْبُعَ لَكِنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [الْمَائِدَةِ: ٣٨] الْمُرَادُ بَعْضُهُمَا. السُّؤَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا الصَّاعِقَةُ؟ الْجَوَابُ: إِنَّهَا قَصْفُ رَعْدٍ يَنْقَضُّ مِنْهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ وَهِيَ نَارٌ لَطِيفَةٌ قَوِيَّةٌ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهَا مَعَ قُوَّتِهَا سَرِيعَةُ الْخُمُودِ. السُّؤَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا إِحَاطَةُ اللَّهِ بِالْكَافِرِينَ.

الْجَوَابُ: أَنَّهُ مَجَازٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَفُوتُونَهُ كَمَا لَا يَفُوتُ الْمُحَاطُ بِهِ الْمُحِيطَ بِهِ حَقِيقَةً ثُمَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَالِمٌ بِهِمْ قَالَ تَعَالَى: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطَّلَاقِ: ١٢] وَثَانِيهَا: قُدْرَتُهُ مُسْتَوْلِيَةٌ