الْخَامِسَةُ: انْصِدَاعُهَا بِالنَّبَاتِ، قَالَ تَعَالَى: وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [الطَّارِقِ: ١٢] . السَّادِسَةُ: كَوْنُهَا خَازِنَةً لِلْمَاءِ الْمُنَزَّلِ مِنَ السَّمَاءِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٨] وَقَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ [الْمُلْكِ: ٣٠] السَّابِعَةُ: الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ الْعِظَامُ الَّتِي فِيهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً [الرَّعْدِ: ٣] . الثَّامِنَةُ: مَا فِيهَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْفِلِزَّاتِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ [الْحِجْرِ: ١٩] ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدِ ذَلِكَ تَمَامَ الْبَيَانِ، فَقَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: ٢١] . التَّاسِعَةُ: الْخَبْءُ الَّذِي تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى [الْأَنْعَامِ: ٩٥] وَقَالَ: يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النَّمْلِ: ٢٥] ثُمَّ إِنَّ الْأَرْضَ لَهَا طَبْعُ الْكَرَمِ لِأَنَّكَ تَدْفَعُ إِلَيْهَا حَبَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ تَرُدُّهَا عَلَيْكَ سَبْعَمِائَةٍ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [الْبَقَرَةِ: ٢٦١] . الْعَاشِرَةُ: حَيَاتُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً [السَّجْدَةِ: ٢٧] وَقَالَ: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [يس: ٣٣] الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: مَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّوَابِّ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالصُّوَرِ وَالْخَلْقِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ [لقمان: ١٠] . والثانية عشر: مَا فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ الْمُخْتَلِفِ أَلْوَانُهُ وَأَنْوَاعُهُ وَمَنَافِعُهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق: ٧] فَاخْتِلَافُ أَلْوَانِهَا دَلَالَةٌ، وَاخْتِلَافُ طَعُومِهَا دَلَالَةٌ، وَاخْتِلَافُ رَوَائِحِهَا دَلَالَةٌ، فَمِنْهَا قُوتُ الْبَشَرِ، وَمِنْهَا قُوتُ الْبَهَائِمِ، كَمَا قَالَ: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ [طَهَ: ٥٤] أَمَّا مَطْعُومُ الْبَشَرِ، فَمِنْهَا الطَّعَامُ، وَمِنْهَا الْإِدَامُ، وَمِنْهَا الدَّوَاءُ، وَمِنْهَا الْفَاكِهَةُ، وَمِنْهَا الْأَنْوَاعُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الْحَلَاوَةِ وَالْحُمُوضَةِ. قَالَ تَعَالَى: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ [فُصِّلَتْ: ١٠] وَأَيْضًا فَمِنْهَا كُسْوَةُ الْبَشَرِ، لِأَنَّ الْكُسْوَةَ إِمَّا نَبَاتِيَّةٌ، وَهِيَ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ، وَإِمَّا حَيَوَانِيَّةٌ وَهِيَ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمُ وَالْجُلُودُ، وَهِيَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي بَثَّهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ، فَالْمَطْعُومُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْمَلْبُوسُ مِنَ الْأَرْضِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَنَافِعَ كَثِيرَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْأَرْضَ سَاتِرَةً لِقَبَائِحِكَ بَعْدَ مَمَاتِكَ، فَقَالَ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٥، ٢٦] . مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ [طه: ٥٥] ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمَعَ هَذِهِ الْمَنَافِعَ الْعَظِيمَةَ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الْجَاثِيَةِ: ١٣] . الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْجَارِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَفِي صِغَارِهَا مَا يَصْلُحُ لِلزِّينَةِ فَتُجْعَلُ فُصُوصُهَا لِلْخَوَاتِمِ وَفِي كِبَارِهَا مَا يُتَّخَذُ لِلْأَبْنِيَةِ، فَانْظُرْ إِلَى الحجر الذي تستخرج النَّارُ مِنْهُ مَعَ كَثْرَتِهِ، وَانْظُرْ إِلَى الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ مَعَ عِزَّتِهِ. ثُمَّ انْظُرْ إِلَى كَثْرَةِ النَّفْعِ بِذَلِكَ الْحَقِيرِ، وَقِلَّةِ النَّفْعِ بِهَذَا الشَّرِيفِ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: مَا أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنَ الْمَعَادِنِ الشَّرِيفَةِ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ثُمَّ تَأَمَّلْ فَإِنَّ الْبَشَرَ اسْتَخْرَجُوا الْحِرَفَ الدَّقِيقَةَ وَالصَّنَائِعَ الْجَلِيلَةَ وَاسْتَخْرَجُوا السَّمَكَةَ مِنْ قَعْرِ الْبَحْرِ، وَاسْتَنْزَلُوا الطَّيْرَ مِنْ أَوْجِ الْهَوَاءِ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ إِيجَادِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ في وجودهما إلا الثمينة، وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْعِزَّةِ فَالْقَادِرُ عَلَى إِيجَادِهِمَا يُبْطِلُ هَذِهِ الْحِكْمَةَ، فَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ دُونَهُمَا بَابًا مَسْدُودًا، إِظْهَارًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَإِبْقَاءً لِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَا لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْخَلْقِ فِيهِ مَكَّنَهُمْ مِنْهُ فَصَارُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنَ اتِّخَاذِ الشَّبَهِ مِنَ النُّحَاسِ، وَالزُّجَاجِ مِنَ الرَّمْلِ، وَإِذَا تَأَمَّلَ الْعَاقِلُ فِي هَذِهِ اللَّطَائِفِ وَالْعَجَائِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute