أَمْرِهَا فَقَالَ: وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ [الْمُرْسَلَاتِ: ٩] ، وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ [التَّكْوِيرِ: ١١] ، يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠٤] ، يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ [الْمَعَارِجِ: ٨] ، يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً [الطُّورِ: ٩] ، فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ [الرَّحْمَنِ: ٣٧] وَذَكَرَ مَبْدَأَهَا فِي آيَتَيْنِ فَقَالَ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ [فُصِّلَتْ: ١١] وَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٠] فَهَذَا الِاسْتِقْصَاءُ الشَّدِيدُ فِي كَيْفِيَّةِ حُدُوثِهِمَا وَفَنَائِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَهُمَا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ عَلَى مَا قَالَ: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص: ٢٧] ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ السَّمَاءَ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ: فَالْأَيْدِي تُرْفَعُ إِلَيْهَا، وَالْوُجُوهُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَهَا، وَهِيَ مَنْزِلُ الْأَنْوَارِ وَمَحَلُّ الصَّفَاءِ وَالْأَضْوَاءِ وَالطَّهَارَةِ وَالْعِصْمَةِ عَنِ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ. الرَّابِعُ: قَالَ بَعْضُهُمُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُونَ عَلَى صِفَتَيْنِ، فَالسَّمَاوَاتُ مُؤَثِّرَةٌ غَيْرُ مُتَأَثِّرَةٍ. وَالْأَرْضُونَ مُتَأَثِّرَةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ/ وَالْمُؤَثِّرُ أَشْرَفُ مِنَ الْقَابِلِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قُدِّمَ ذِكْرُ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْأَكْثَرِ، وأيضاً ففي أكثر الأمر ذكر السموات بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَالْأَرْضِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ لَا بد من السموات الْكَثِيرَةِ لِيَحْصُلَ بِسَبَبِهَا الِاتِّصَالَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ لِلْكَوَاكِبِ وَتَغَيُّرُ مَطَارِحِ الشُّعَاعَاتِ، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَقَابِلَةٌ فَكَانَتِ الْأَرْضُ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةً. الْخَامِسُ: تَفَكَّرْ فِي لَوْنِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهِ مِنْ صَوَابِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّ هَذَا اللَّوْنَ أَشَدُّ الْأَلْوَانِ مُوَافَقَةً لِلْبَصَرِ وَتَقْوِيَةً لَهُ، حَتَّى أَنَّ الْأَطِبَّاءَ يَأْمُرُونَ مَنْ أَصَابَهُ وَجَعُ الْعَيْنِ بِالنَّظَرِ إِلَى الزُّرْقَةِ، فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَدِيمَ السَّمَاءِ مُلَوَّنًا بِهَذَا اللَّوْنِ الْأَزْرَقِ، لِتَنْتَفِعَ بِهِ الْأَبْصَارُ النَّاظِرَةُ إِلَيْهَا، فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى جَعَلَ لَوْنَهَا أَنْفَعَ الْأَلْوَانِ، وَهُوَ الْمُسْتَنِيرُ وَشَكْلَهَا أَفْضَلَ الْأَشْكَالِ، وَهُوَ الْمُسْتَدِيرُ، وَلِهَذَا قَالَ: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ [ق: ٦] يَعْنِي مَا فِيهَا مِنْ فُصُولٍ، وَلَوْ كَانَتْ سَقْفًا غَيْرَ مُحِيطٍ بِالْأَرْضِ لَكَانَتِ الْفُرُوجُ حَاصِلَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي بَيَانِ فَضَائِلِ السَّمَاءِ وَبَيَانِ فَضَائِلِ مَا فِيهَا، وَهِيَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ أَمَّا الشَّمْسُ فَتَفَكَّرْ فِي طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، فَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَطَلَ أَمْرُ الْعَالَمِ كُلِّهِ، فَكَيْفَ كَانَ النَّاسُ يَسْعَوْنَ فِي مَعَايِشِهِمْ، ثُمَّ الْمَنْفَعَةُ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ ظَاهِرَةٌ، وَلَكِنْ تَأَمَّلِ النَّفْعَ فِي غُرُوبِهَا فَلَوْلَا غُرُوبُهَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ هُدُوٌّ وَلَا قَرَارٌ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى الْهُدُوِّ وَالْقَرَارِ لِتَحْصِيلِ الرَّاحَةِ وَانْبِعَاثِ الْقُوَّةِ الْهَاضِمَةِ وَتَنْفِيذِ الْغِذَاءِ إِلَى الْأَعْضَاءِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً [يُونُسَ: ٦٧] وَأَيْضًا فَلَوْلَا الْغُرُوبُ لَكَانَ الْحِرْصُ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ عَلَى مَا قَالَ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً [النَّبَأِ: ١٠، ١١] وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْلَا الْغُرُوبُ لَكَانَتِ الْأَرْضُ تَحْمَى بِشُرُوقِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا حَتَّى يَحْتَرِقَ كُلُّ مَا عَلَيْهَا مِنْ حَيَوَانٍ، وَيَهْلَكَ مَا عَلَيْهَا مِنْ نَبَاتٍ عَلَى مَا قَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً [الْفُرْقَانِ: ٤٥] فَصَارَتِ الشَّمْسُ بِحِكْمَةِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَطْلُعُ فِي وَقْتٍ وَتَغِيبُ فِي وَقْتٍ، بِمَنْزِلَةِ سِرَاجٍ يُدْفَعُ لِأَهْلِ بَيْتٍ بِمِقْدَارِ حَاجَتِهِمْ ثُمَّ يُرْفَعُ عَنْهُمْ لِيَسْتَقِرُّوا وَيَسْتَرِيحُوا فَصَارَ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ عَلَى تَضَادِّهِمَا مُتَعَاوِنَيْنِ مُتَظَاهِرَيْنِ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْعَالَمِ هَذَا كُلُّهُ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا. أَمَّا ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ وَانْحِطَاطُهَا فَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِإِقَامَةِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَفِي الشِّتَاءِ تَغُورُ الْحَرَارَةُ فِي الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَوَادُّ الثِّمَارِ وَيَلْطُفُ الْهَوَاءُ وَيَكْثُرُ السَّحَابُ وَالْمَطَرُ، وَيَقْوَى أَبْدَانُ الْحَيَوَانَاتِ بِسَبَبِ احْتِقَانِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ فِي الْبَوَاطِنِ، وَفِي الرَّبِيعِ تَتَحَرَّكُ الطَّبَائِعُ وَتَظْهَرُ الْمَوَادُّ الْمُتَوَلِّدَةُ فِي الشِّتَاءِ فَيَطْلُعُ النَّبَاتُ وَيُنَوِّرُ الشَّجَرُ وَيَهِيجُ الْحَيَوَانُ لِلسِّفَادِ، وَفِي الصَّيْفِ يَحْتَدِمُ الْهَوَاءُ فَتَنْضُجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute