للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحث الثَّانِي: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَوْدِيَةُ جَمْعُ وَادٍ وَلَا نَعْلَمُ فَاعِلًا جُمِعَ عَلَى أَفْعِلَةٍ قَالَ:

وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَعَاقُبِ فَاعِلٍ وَفَعِيلٍ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَعَالِمٍ وَعَلِيمٍ، وَشَاهِدٍ وَشَهِيدٍ، وَنَاصِرٍ وَنَصِيرٍ، ثُمَّ إِنَّ وَزْنَ فَاعِلٍ يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ كَصَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ، وَطَائِرٍ وَأَطْيَارٍ، وَوَزْنُ فَعِيلٍ يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَةٍ، كَجَرِيبٍ وَأَجْرِبَةٍ ثُمَّ لَمَّا حَصَلَتِ الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ فَاعِلٍ وَفَعِيلٍ لَا جَرَمَ يُجْمَعُ الْفَاعِلُ جَمْعَ الْفَعِيلِ. فَيُقَالُ: وَادٍ وَأَوْدِيَةٌ وَيُجْمَعُ الْفَعِيلُ عَلَى جَمْعِ الْفَاعِلِ فَيُقَالُ: يَتِيمٌ وَأَيْتَامٌ وَشَرِيفٌ وَأَشْرَافٌ هَذَا مَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَظِيرُ وَادٍ وَأَوْدِيَةٍ، نَادٍ وَأَنْدِيَةٌ لِلْمَجَالِسِ.

البحث الثَّالِثُ: إِنَّمَا ذُكِرَ لَفْظُ أَوْدِيَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ، لِأَنَّ الْمَطَرَ لَا يَأْتِي إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاوَبَةِ بَيْنَ الْبِقَاعِ فَتَسِيلُ بَعْضُ أَوْدِيَةِ الْأَرْضِ دُونَ بَعْضٍ. أما قوله تَعَالَى: بِقَدَرِها فَفِيهِ بَحْثَانِ:

البحث الْأَوَّلُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقَدْرُ وَالْقَدَرُ مَبْلَغُ الشَّيْءِ يُقَالُ كَمْ قَدْرُ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَكَمْ قَدَرُهَا وَمِقْدَارُهَا؟

أَيْ كَمْ تَبْلُغُ فِي الْوَزْنِ، فَمَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهَا فِي الْوَزْنِ فَهُوَ قَدْرُهَا.

البحث الثَّانِي: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها أَيْ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ صَغُرَ الْوَادِي قَلَّ الْمَاءُ، وَإِنِ اتَّسَعَ الْوَادِي كَثُرَ الْمَاءُ.

أما قوله: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً فَفِيهِ بَحْثَانِ:

البحث الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ أَزْبَدَ الْوَادِي إِزْبَادًا، وَالزَّبَدُ الِاسْمُ، وَقَوْلُهُ: رابِياً قَالَ الزَّجَّاجُ: طَافِيًا عَالِيًا فَوْقَ الْمَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: زَائِدًا بِسَبَبِ انْتِفَاخِهِ، يُقَالُ: رَبَا يَرْبُو إِذَا زَادَ.

أما قوله تَعَالَى: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالزَّبَدِ الْحَاصِلِ مِنَ الْمَاءِ، أَتْبَعَهُ بِضَرْبِ الْمَثَلِ بِالزَّبَدِ الْحَاصِلِ مِنَ النَّارِ، وَفِيهِ مَبَاحِثُ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ يُوقِدُونَ بِالْيَاءِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ لِقَوْلِهِ:

يَنْفَعُ النَّاسَ وَأَيْضًا فَلَيْسَ هَاهُنَا مُخَاطَبٌ. وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ.

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الرَّعْدِ: ١٦] وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْكَافَّةُ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ أَيُّهَا الْمُوقِدُونَ.

البحث الثَّانِي: الْإِيقَادُ عَلَى الشَّيْءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي النَّارِ، / وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ [الْقَصَصِ: ٣٨] وَالثَّانِي: أَنْ يُوقَدَ عَلَى الشَّيْءِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي النَّارِ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ تَذْوِيبَ الْأَجْسَادِ السَّبْعَةِ جَعَلَهَا فِي النَّارِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ هَاهُنَا: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ.

البحث الثَّالِثُ: فِي قَوْلِهِ: ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهِ لِابْتِغَاءِ حِلْيَةٍ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهِ لِابْتِغَاءِ الْأَمْتِعَةِ الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ، وَالْأُسْرُبُ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوَانِي وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْمَتَاعُ كُلُّ مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ وَقَوْلُهُ: زَبَدٌ مِثْلُهُ أَيْ زَبَدٌ مِثْلُ زَبَدِ الْمَاءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ السَّيْلُ.

ثم قال تَعَالَى: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ وَالْمَعْنَى كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>