للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَدْرَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَنْبِذَنَّ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُ وَلَا يَحُلَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَمَدُ وَيَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» قَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عُيَيْنَةَ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ.

الْقَيْدُ الثَّالِثُ: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَهَاهُنَا سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَتَرْكَ نَقْضِ الْمِيثَاقِ اشْتَمَلَ عَلَى وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ كُلِّ الْمَنْهِيَّاتِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُمَا؟

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ذُكِرَ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا جَرَمَ أَفْرَدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ بِالذِّكْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَأْكِيدٌ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

«ثَلَاثٌ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا ذَلَقٌ الرَّحِمُ تَقُولُ: أَيْ رَبِّ قُطِعْتُ، وَالْأَمَانَةُ تَقُولُ: أَيْ رَبِّ تُرِكْتُ، وَالنِّعْمَةُ تَقُولُ:

أَيْ رَبِّ كُفِرْتُ» .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ صِلَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُؤَازَرَتُهُ وَنُصْرَتُهُ فِي الْجِهَادِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: رِعَايَةُ جَمِيعِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلْعِبَادِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ صِلَةُ الرَّحِمِ وَصِلَةُ الْقَرَابَةِ الثَّابِتَةِ بِسَبَبِ أُخُوَّةِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الْحُجُرَاتِ: ١٠] وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الصِّلَةِ إِمْدَادُهُمْ بِإِيصَالِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعُ الْآفَاتِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ عَلَى النَّاسِ وَالتَّبَسُّمُ فِي وُجُوهِهِمْ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ حَيَوَانٍ حَتَّى الْهِرَّةُ وَالدَّجَاجَةُ، وَعَنِ/ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ جَمَاعَةً دَخَلُوا عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ خُرَاسَانَ. فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَحْسَنَ كُلَّ الْإِحْسَانِ وَكَانَ لَهُ دَجَاجَةٌ فَأَسَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَأَقُولُ حَاصِلُ الْكَلَامِ: أَنَّ قَوْلَهُ: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَقَوْلَهُ: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ إِشَارَةٌ إِلَى الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ.

الْقَيْدُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ وَإِنْ أَتَى بِكُلِّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ أَمْرِ اللَّهِ، وَفِي الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الْخَشْيَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْخَوْفُ مِنْهُ مُسْتَوْلِيًا عَلَى قَلْبِهِ وَهَذِهِ الْخَشْيَةُ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ خَائِفًا مِنْ أَنْ يَقَعَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ خَلَلٌ فِي عِبَادَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ، بِحَيْثُ يُوجِبُ فَسَادَ الْعِبَادَةِ أَوْ يُوجِبُ نُقْصَانَ ثَوَابِهَا. وَالثَّانِي: وَهُوَ خَوْفُ الْجَلَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ الْمَهِيبِ الْقَاهِرِ فَإِنَّهُ وإن كان في غير طَاعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ قَلْبِهِ مَهَابَةُ الْجَلَالَةِ وَالرِّفْعَةِ وَالْعَظَمَةِ.

الْقَيْدُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَيْدَ الرَّابِعَ إِشَارَةٌ إِلَى الْخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ وَهَذَا الْقَيْدُ الْخَامِسُ إِشَارَةٌ إِلَى الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَسُوءِ الْحِسَابِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ خَوْفِ الْجَلَالِ وَالْمَهَابَةِ وَالْعَظَمَةِ وَإِلَّا لَزِمَ التِّكْرَارُ.

الْقَيْدُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّبْرُ عَلَى فِعْلِ الْعِبَادَاتِ وَالصَّبْرُ عَلَى ثِقَلِ الْأَمْرَاضِ وَالْمَضَارِّ، وَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ، وَالصَّبْرُ عَلَى تَرْكِ الْمُشْتَهَيَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ الصَّبْرُ عَلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَعَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ. ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُقْدِمُ عَلَى الصَّبْرِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَصْبِرَ لِيُقَالَ مَا أَكْمَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>