للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآية مسائل:

المسألة الأولى: قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، لِأَنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إِلَى الْأَقْرَبِ أَوْلَى، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْأَلَ هَؤُلَاءِ الْمُقْتَسِمِينَ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنَ اقْتِسَامِ الْقُرْآنِ وَعَنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّ ذِكْرَهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر: ٨٩] أَيْ/ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وذكر الكافرين، فيعود قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْكُفْرِ أَوْ عَنِ الْإِيمَانِ، بَلِ السُّؤَالِ وَاقِعٌ عَنْهُمَا وَعَنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وبين قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرَّحْمَنِ: ٣٩] أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الوجه الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لا يسئلون سُؤَالَ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ أَعْمَالِهِمْ، وإنما يسئلون سُؤَالَ التَّقْرِيعِ يُقَالُ لَهُمْ لِمَ فَعَلْتُمْ كَذَا؟

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ سُؤَالُ الِاسْتِفْهَامِ لِمَا كَانَ فِي تَخْصِيصِ هَذَا النَّفْيِ بِقَوْلِهِ يَوْمَئِذٍ فَائِدَةٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ.

وَالوجه الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنْ يَصْرِفَ النَّفْيَ إِلَى بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالْإِثْبَاتَ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ، لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ طَوِيلٌ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قوله، فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن: ٣٩] هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السُّؤَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَلَوْ حَصَلَ السُّؤَالُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَحَصَلَ التَّنَاقُضُ.

وَالوجه الثالث: أن نقول: قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ يفيد عموم النفي وقوله:

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَائِدٌ إِلَى الْمُقْتَسِمِينَ وَهَذَا خَاصٌّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. أما قوله:

فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الصَّدْعِ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَصْلُ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ لِجَرِيرٍ:

هَذَا الْخَلِيفَةُ فَارْضَوْا مَا قَضَى لَكُمُ ... بِالْحَقِّ يَصْدَعُ مَا فِي قَوْلِهِ حَيْفٌ

فَقَالَ يَصْدَعُ يَفْصِلُ، وَتَصَدَّعَ الْقَوْمُ إِذَا تَفَرَّقُوا، ومنه قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم: ٤٣] قَالَ الْفَرَّاءُ: يَتَفَرَّقُونَ. وَالصَّدْعُ فِي الزُّجَاجَةِ الْإِبَانَةُ، أَقُولُ وَلَعَلَّ أَلَمَ الرَّأْسِ إِنَّمَا سُمِّيَ صُدَاعًا لِأَنَّ قِحْفَ الرَّأْسِ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>