للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فِي قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ كَرَامَاتِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا ذَكَرَ أَحْوَالَ دَرَجَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِيهَا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الأولى: قرئ يدعوا بالياء والنون وو يدعى كُلُّ أُنَاسٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ يَدْعُو كُلُّ أُنَاسٍ قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ لَا يَعْرِفُونَ وَجْهًا لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنِ الْحَسَنِ وَلَعَلَّهُ قَرَأَ يُدْعَى بِفَتْحَةٍ مَمْزُوجَةٍ بِالضَّمِّ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ قَرَأَ يَدْعُو.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ يَوْمَ نَدْعُوا نُصِبَ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ وَفَضَّلْناهُمْ [الإسراء: ٧٠] لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ فَيُقَالُ الْمُرَادُ وَنُفَضِّلُهُمْ بِمَا نُعْطِيهِمْ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالثَّوَابِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: بِإِمامِهِمْ الْإِمَامُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ قَوْمٌ كَانُوا عَلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ فَالنَّبِيُّ إِمَامُ أُمَّتِهِ، وَالْخَلِيفَةُ إِمَامُ رَعِيَّتِهِ، وَالْقُرْآنُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامُ الْقَوْمِ هُوَ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ فِي الصَّلَاةِ وذكروا في تفسير الإمام هاهنا أَقْوَالٌ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:

إِمَامُهُمْ نَبِيُّهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا أَمَةَ إِبْرَاهِيمَ يَا أَمَةَ مُوسَى يَا أَمَةَ عِيسَى يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فَيَقُومُ أَهْلُ الْحَقِّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْأَنْبِيَاءَ فَيَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ثُمَّ يُنَادَى يَا أَتْبَاعَ فِرْعَوْنَ يَا أَتْبَاعَ نَمْرُودَ يَا أَتْبَاعَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الضَّلَالِ وَأَكَابِرِ الْكُفْرِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِإِمامِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ يدعو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ تَبَعًا وَشِيعَةً لِأَمَامِهِمْ كَمَا تَقُولُ أَدْعُوكَ بِاسْمِكَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ يدعو كُلَّ أُنَاسٍ مُخْتَلِطِينَ بِإِمَامِهِمْ أَيْ يُدْعَوْنَ وَإِمَامُهُمْ فِيهِمْ نَحْوَ رَكْبٍ بِجُنُودِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ بِإِمامِهِمْ أَيْ بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُنَادَى فِي الْقِيَامَةِ يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ يَا أَهْلَ الْإِنْجِيلِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ الْحَسَنُ بِكِتَابِهِمُ الَّذِي فِيهِ أَعْمَالُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الرَّبِيعِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ يُسَمَّى إِمَامًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس: ١٢] فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكِتَابَ إِمَامًا، وَتَقْدِيرُ الْبَاءِ عَلَى هذا القول بمعنى مع أي ندعو كُلَّ أُنَاسٍ وَمَعَهُمْ كِتَابُهُمْ كَقَوْلِكَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ بِرُمَّتِهِ أَيْ وَمَعَهُ رُمَّتُهُ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَمِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ جَمْعُ أُمٍّ، وَأَنَّ النَّاسَ يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الدُّعَاءِ بِالْأُمَّهَاتِ دُونَ الْآبَاءِ رِعَايَةُ حَقِّ عِيسَى وَإِظْهَارُ شَرَفِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَأَنْ لَا يَفْتَضِحَ أَوْلَادُ الزِّنَا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّهُمَا أَبْدَعُ أَصِحَّةُ لَفْظِهِ أَمْ بَيَانُ حِكْمَتِهِ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَقُولُ فِي اللَّفْظِ احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ أَنْوَاعَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ كَثِيرَةٌ وَالْمُسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ نَوْعٌ مِنْ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْغَضَبَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ شَهْوَةَ النُّقُودِ أَوْ شَهْوَةَ الضِّيَاعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحِقْدَ وَالْحَسَدَ وَفِي جَانِبِ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْعِفَّةَ أَوِ الشَّجَاعَةَ أَوِ/ الْكَرَمَ أَوْ طَلَبَ الْعِلْمِ وَالزُّهْدَ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الدَّاعِي إِلَى الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ فَذَلِكَ الْخُلُقُ الْبَاطِنُ كَالْإِمَامِ لَهُ وَالْمَلِكِ الْمُطَاعِ وَالرَّئِيسِ الْمَتْبُوعِ فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّمَا يَظْهَرُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ بِنَاءً عَلَى الْأَفْعَالِ النَّاشِئَةِ مِنْ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ خَطَرَ بِالْبَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِنَّمَا قَالَ أُولَئِكَ لِأَنَّ مَنْ أُوتِيَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ وَالْفَتِيلُ الْقِشْرَةُ الَّتِي فِي شَقِّ النَّوَاةِ وَسُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الإنسان استخراجه

<<  <  ج: ص:  >  >>