وَالْقَدِيرِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مِنْ تَوَالَتْ طَاعَاتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ مَعْصِيَةٍ. الثَّانِي: / أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ وَمَجْرُوحٍ. وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ حِفْظَهُ وَحِرَاسَتَهُ عَلَى التَّوَالِي عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَيُدِيمُ تَوْفِيقَهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَقَرَةِ: ٢٥٧] وَقَوْلِهِ: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الْأَعْرَافِ: ١٩٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦] وَقَوْلُهُ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [مُحَمَّدٍ: ١١] وَقَوْلِهِ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الْمَائِدَةِ: ٥٥] وَأَقُولُ الْوَلِيُّ هُوَ الْقَرِيبُ فِي اللُّغَةِ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ قَرِيبًا مِنْ حَضْرَةِ اللَّهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ طَاعَاتِهِ وَكَثْرَةِ إِخْلَاصِهِ وَكَانَ الرَّبُّ قَرِيبًا مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ فَهُنَاكَ حَصَلَتِ الْوِلَايَةُ.
الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا ظَهَرَ فِعْلٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ فَذَاكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالدَّعْوَى أَوْ لَا مَعَ الدَّعْوَى وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الدَّعْوَى فَتِلْكَ الدَّعْوَى إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ أَوْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ أَوْ دَعْوَى الْوِلَايَةِ أَوْ دَعْوَى السِّحْرِ وَطَاعَةِ الشَّيَاطِينِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: ادَّعَاءُ الْإِلَهِيَّةِ وَجَوَّزَ أَصْحَابُنَا ظُهُورَ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى يَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ كَمَا نُقِلَ، أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَكَانَتْ تَظْهَرُ خَوَارِقُ الْعَادَاتِ عَلَى يَدِهِ وَكَمَا نُقِلْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَقِّ الدَّجَّالِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ شَكْلَهُ وَخِلْقَتَهُ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ فَظُهُورُ الْخَوَارِقِ عَلَى يَدِهِ لَا يُفْضِي إِلَى التَّلْبِيسِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ ادِّعَاءُ النُّبُوَّةِ فَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَجَبَ ظُهُورُ الْخَوَارِقِ عَلَى يَدِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَجُزْ ظُهُورُ الْخَوَارِقِ عَلَى يَدِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَظْهَرَ وَجَبَ حُصُولُ الْمُعَارَضَةِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ ادِّعَاءُ الْوِلَايَةِ وَالْقَائِلُونَ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَرَامَاتِ ثُمَّ إِنَّهَا تَحْصُلُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَمْ لَا. وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ ادِّعَاءُ السِّحْرِ وَطَاعَةِ الشَّيْطَانِ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ ظُهُورُ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى يَدِهِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَظْهَرَ خَوَارِقُ الْعَادَاتِ عَلَى يَدِ إِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ مِنَ الدَّعَاوَى، فَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَالِحًا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَبِيثًا مُذْنِبًا. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقَوْلُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِهِ وَأَنْكَرَهَا الْمُعْتَزِلَةُ إِلَّا أَبَا الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّ وَصَاحِبُهُ مَحْمُودٌ الْخَوَارِزْمِيُّ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ تَظْهَرَ خَوَارِقُ الْعَادَاتِ عَلَى بَعْضِ مَنْ كَانَ مَرْدُودًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِدْرَاجِ فَهَذَا تَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَالْمَعْقُولُ. أَمَّا الْقُرْآنُ فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ عِنْدَنَا آيَاتٌ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى: قِصَّةُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَقَدْ شَرَحْنَاهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَلَا نُعِيدُهَا.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَبَقَاؤُهُمْ فِي النَّوْمِ أَحْيَاءً سَالِمِينَ عَنِ الْآفَاتِ مُدَّةَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ وَأَنَّهُ تَعَالَى كَانَ يَعْصِمُهُمْ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ [الْكَهْفِ: ١٨] / إِلَى قَوْلِهِ: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ [الْكَهْفِ: ١٧] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَمَسَّكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النَّمْلِ: ٣٩] وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ سُلَيْمَانُ فَسَقَطَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ. أَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute