للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّاهِرَةِ، فَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ أَيْ أَطْلَعْنَا غَيْرَهُمْ عَلَى أَحْوَالِهِمْ يُقَالُ عَثَرْتُ عَلَى كَذَا أَيْ عَلِمْتُهُ وَقَالُوا: إِنَّ أَصْلَ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ شَيْءٍ فَعَثَرَ بِهِ نَظَرَ إِلَيْهِ فَعَرَفَهُ، فَكَانَ الْعِثَارُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ وَالتَّبَيُّنِ فَأُطْلِقَ اسْمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ عَرَفَ النَّاسُ وَاقِعَةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ طَالَتْ شُعُورُهُمْ وَأَظْفَارُهُمْ طُولًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ وَظَهَرَتْ فِي بَشَرَةِ وُجُوهِهِمْ آثَارٌ عَجِيبَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّتَهُمْ قَدْ طَالَتْ طُولًا خَارِجًا عَنِ الْعَادَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمَّا دَخَلَ إِلَى السُّوقِ لِيَشْتَرِيَ الطَّعَامَ وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِثَمَنِ الطَّعَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّعَامِ: هَذِهِ النُّقُودُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ. وَإِنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَدَهْرٍ دَاهِرٍ فَلَعَلَّكَ وَجَدْتَ كَنْزًا، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ وَحَمَلُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ إِلَى مَلِكِ الْبَلَدِ فَقَالَ الْمَلِكُ مِنْ أَيْنَ وَجَدْتَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ: بِعْتُ بِهَا أَمْسِ شَيْئًا مِنَ التَّمْرِ، وَخَرَجْنَا فِرَارًا مِنَ/ الْمَلِكِ دِقْيَانُوسَ فَعَرَفَ ذَلِكَ الْمَلِكُ أَنَّهُ مَا وَجَدَ كَنْزًا وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يَعْنِي أَنَّا إِنَّمَا أَطْلَعْنَا الْقَوْمَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ لِيَعْلَمَ الْقَوْمُ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ بِالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ رُوِيَ أَنَّ مَلِكَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مِمَّنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَعَ كُفْرِهِ مُنْصِفًا فَجَعَلَ اللَّهُ أَمْرَ الْفِتْيَةِ دَلِيلًا لِلْمَلِكِ، وَقِيلَ بَلِ اخْتَلَفَتِ الْأُمَّةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْجَسَدُ وَالرُّوحُ يُبْعَثَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ آخَرُونَ: الرُّوحُ تُبْعَثُ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَتَأْكُلُهُ الْأَرْضُ.

ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَلِكَ كَانَ يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ آيَةً يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَمْرِ أَصْحَابِ أَهْلِ الْكَهْفِ. فَاسْتَدَلَّ ذَلِكَ الْمَلِكُ بِوَاقِعَتِهِمْ عَلَى صِحَّةِ الْبَعْثِ لِلْأَجْسَادِ، لِأَنَّ انْتِبَاهَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ الطَّوِيلِ يُشْبِهُ مَنْ يَمُوتُ ثُمَّ يُبْعَثُ فَقَوْلُهُ: إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْثَرْنَا أَيْ أَعْثَرْنَاهُمْ عَلَيْهِمْ حِينَ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا التَّنَازُعِ فَقِيلَ كَانُوا يَتَنَازَعُونَ فِي صِحَّةِ الْبَعْثِ، فَالْقَائِلُونَ بِهِ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَالُوا كَمَا قَدِرَ اللَّهُ عَلَى حِفْظِ أَجْسَادِهِمْ مُدَّةَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَى حَشْرِ الْأَجْسَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلِكَ وَقَوْمَهُ لَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَوَقَفُوا عَلَى أَحْوَالِهِمْ عَادَ الْقَوْمُ إِلَى كَهْفِهِمْ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ فَعِنْدَ هَذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، فَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهُمْ نِيَامٌ كَالْكَرَّةِ الْأُولَى وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الْآنَ مَاتُوا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يُسَدَّ بَابُ الْكَهْفِ لِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَلَا يَقِفَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ إِنْسَانٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُبْنَى عَلَى بَابِ الْكَهْفِ مَسْجِدٌ وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ كَانُوا عَارِفِينَ بِاللَّهِ مُعْتَرِفِينَ بِالْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى دِينِنَا فَنَتَّخِذُ عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا، وَالْمُسْلِمُونَ قَالُوا كَانُوا عَلَى دِينِنَا فَنَتَّخِذُ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ. وَالسَّادِسُ: أَنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي عَدَدِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ وَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَنَازِعِينَ كَأَنَّهُمْ لَمَّا تَذَاكَرُوا أَمْرَهُمْ وَتَنَاقَلُوا الْكَلَامَ فِي أَسْمَائِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَمُدَّةِ لُبْثِهِمْ، فَلَمَّا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ قَالُوا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ رَدًّا لِلْخَائِضِينَ فِي حَدِيثِهِمْ مِنْ أُولَئِكَ الْمُتَنَازِعِينَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَلِكُ الْمُسْلِمُ، وَقِيلَ: أَوْلِيَاءُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقِيلَ: رُؤَسَاءُ الْبَلَدِ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً نَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ وَنَسْتَبْقِي آثَارَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:

سَيَقُولُونَ عَائِدٌ إِلَى الْمُتَنَازِعِينَ. رُوِيَ أَنَّ السَّيِّدَ وَالْعَاقِبَ وَأَصْحَابَهُمَا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَرَى ذِكْرُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقَالَ السَّيِّدُ وَكَانَ يَعْقُوبِيًّا كَانُوا ثَلَاثَةً رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَقَالَ الْعَاقِبُ وَكَانَ نُسْطُورِيًّا كَانُوا خَمْسَةً سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا سَبْعَةً وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ هَذَا الْأَخِيرُ هو

<<  <  ج: ص:  >  >>