للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ نَقَصَنِي. الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً أَيْ كَانَ النَّهْرُ يَجْرِي فِي دَاخِلِ تِلْكَ الْجَنَّتَيْنِ. وَفِي قِرَاءَةِ يَعْقُوبَ وَفَجَرْنَا مُخَفَّفَةً وَفِي قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ وَفَجَّرْنَا مُشَدَّدَةً وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ نَهْرٌ وَاحِدٌ وَالتَّشْدِيدُ عَلَى المبالغة لأن النهر يمتد فيكون كأنهار وخِلالَهُما أَيْ وَسَطَهُمَا وَبَيْنَهُمَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ [التَّوْبَةِ: ٤٧] . وَمِنْهُ يُقَالُ خَلَّلْتُ الْقَوْمَ أَيْ دَخَلْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ. الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قَرَأَ عَاصِمٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ جَمْعُ ثِمَارٍ أَوْ ثَمَرَةٍ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَنَّهُ بِالضَّمِّ أَنْوَاعُ الْأَمْوَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِالْفَتْحِ حَمْلُ الشَّجَرِ قَالَ قُطْرُبٌ: كَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يَقُولُ: الثُّمْرُ الْمَالُ وَالْوَلَدُ، وَأَنْشَدَ لِلْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ:

وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِرًا ... قَدْ أَثْمَرُوا مَالًا وَوَلَدًا

وَقَالَ النَّابِغَةُ:

مَهْلًا فِدَاءٌ لَكَ الْأَقْوَامُ كُلُّهُمْ ... مَا أَثْمَرُوهُ أَمِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ

وَقَوْلُهُ: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ أَيْ أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَالِ مِنْ ثَمَرَ مَالُهُ إِذَا كَثُرَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ: أَيْ كَانَ مَعَ الْجَنَّتَيْنِ أَشْيَاءُ مِنَ النُّقُودِ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الصِّفَاتِ قَالَ بَعْدَهُ: فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْلِمَ كَانَ يُحَاوِرُهُ بِالْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِالْبَعْثِ وَالْمُحَاوَرَةُ مُرَاجَعَةُ الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَارَ إِذَا رَجَعَ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلى [الِانْشِقَاقِ: ١٤، ١٥] ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ قَالَ الْكَافِرُ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً وَالنَّفَرُ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالذَّبِّ عَنْهُ وَيَنْفِرُونَ مَعَهُ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْكَافِرَ تَرَفَّعَ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِجَاهِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ لِذَلِكَ الْمُسْلِمِ كَثْرَةَ مَالِهِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَالَ: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَأَرَاهُ إِيَّاهَا عَلَى الْحَالَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ وَأَخْبَرَهُ بِصُنُوفِ مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الْمَالِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَفْرَدَ الْجَنَّةَ بَعْدَ التَّثْنِيَةِ؟ قُلْنَا: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَنَّةٌ وَلَا نَصِيبٌ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الْمُؤْمِنُونَ وَهَذَا الَّذِي مَلَكَهُ فِي الدُّنْيَا هُوَ جَنَّتُهُ لَا غَيْرَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْجَنَّتَيْنِ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا اعْتَزَّ بِتِلْكَ النِّعَمِ وَتَوَسَّلَ بِهَا إِلَى الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ كَانَ وَاضِعًا تِلْكَ النِّعَمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنِ الْكَافِرِ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً فَجَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ، فَالْأَوَّلُ قَطَعَهُ بِأَنَّ تِلْكَ الأشياء لا تهلك ولا تبيد هذه أَبَدًا مَعَ أَنَّهَا مُتَغَيِّرَةٌ مُتَبَدِّلَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ قَالَ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا مَعَ أَنَّ الْحَدْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا ذَاهِبَةٌ بَاطِلَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ؟ قُلْنَا: الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَبِيدُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَوُجُودِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً أَيْ مَرْجِعًا وَعَاقِبَةً وَانْتِصَابُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى وَقَوْلُهُ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا/ وَوَلَداً [مَرْيَمَ: ٧٧] وَالسَّبَبُ فِي وُقُوعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَعْطَاهُ الْمَالَ فِي الدُّنْيَا ظَنَّ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بَاقٍ بَعْدِ الْمَوْتِ فَوَجَبَ حُصُولُ الْعَطَاءِ.

وَالْمُقْدِمَةُ الْأُولَى كَاذِبَةٌ فَإِنَّ فَتْحَ بَابِ الدُّنْيَا عَلَى الْإِنْسَانِ يَكُونُ في أكثر الأمر للاستدراج وَالتَّمْلِيَةِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>