للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِسْكَنْدَرِ فَوَلَدَتِ الْإِسْكَنْدَرَ بَعْدَ عَوْدِهَا إِلَى أَبِيهَا فَبَقِيَ الْإِسْكَنْدَرُ عِنْدَ فِيلِبُوسَ وَأَظْهَرَ فِيلِبُوسُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْنُ دَارَا الْأَكْبَرِ قَالُوا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِسْكَنْدَرَ لَمَّا أَدْرَكَ دارا ابن دَارَا وَبِهِ رَمَقٌ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ وَقَالَ لِدَارَا: يَا أَبِي أَخْبِرْنِي عَمَّنْ فَعَلَ هَذَا لِأَنْتَقِمَ لَكَ مِنْهُ! فَهَذَا مَا قَالَهُ الْفُرْسُ قَالُوا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْإِسْكَنْدَرُ أَبُوهُ دَارَا الْأَكْبَرُ وَأُمُّهُ بِنْتُ فِيلِبُوسَ «١» فَهُوَ إِنَّمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْفُرْسُ إِنَّمَا ذَكَرُوهُ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ نَسْلِ مُلُوكِ الْعَجَمِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَلِكٌ مِثْلُهُ مِنْ نَسَبٍ غَيْرِ نَسَبِ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا قَالَ الْإِسْكَنْدَرُ لِدَارَا يَا أَبِي عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَأَكْرَمَ دَارَا بِذَلِكَ الْخِطَابِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو الرَّيْحَانِ الْهَرَوِيُّ «٢» الْمُنَجِّمُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالْآثَارِ الْبَاقِيَةِ عَنِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، قِيلَ: إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ هُوَ أَبُو كَرْبٍ شِمْرُ بْنُ عُبَيْرِ بْنِ أَفْرِيقِشَ الْحِمْيَرِيُّ فَإِنَّهُ بَلَغَ مُلْكُهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَهُوَ الَّذِي افْتَخَرَ بِهِ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ مِنْ حِمْيَرَ حَيْثُ قَالَ:

قَدْ كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ قَبْلِي مُسْلِمًا ... مَلِكًا عَلَا فِي الْأَرْضِ غَيْرَ مُفْنِدِي

بَلَغَ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ يَبْتَغِي ... أَسْبَابَ مُلْكٍ مِنْ كَرِيمٍ سَيِّدِ

ثُمَّ قَالَ أَبُو الرَّيْحَانِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبَ لِأَنَّ الْأَذْوَاءَ كَانُوا مِنَ الْيَمَنِ وَهُمُ الَّذِينَ لَا تَخْلُو أساميهم من ذي كذا كَذِي النَّادِي «٣» وَذِي نُوَاسٍ وَذِي النُّونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا مَلَّكَهُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَأَعْطَاهُ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ وَأَلْبَسَهُ الْهَيْبَةَ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ أَنَّهُ مَنْ هُوَ ثُمَّ ذَكَرُوا فِي تَسْمِيَتِهِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ وجوها: الأول:

سأل ابن الكواء عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقَالَ أَمَلِكٌ هُوَ أَمْ نَبِيٌّ فَقَالَ: لَا مَلِكٌ وَلَا نَبِيٌّ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا ضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَمَاتَ ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ فَضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَمَاتَ فَبَعَثَهُ اللَّهُ فَسُمِّيَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَلِكِ مُلْكِهِ.

الثَّانِي: سُمِّيَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ انْقَرَضَ فِي وَقْتِهِ قَرْنَانِ مِنَ النَّاسِ.

الثَّالِثُ: قِيلَ كَانَ صَفْحَتَا رَأْسِهِ مِنْ نُحَاسٍ. الرَّابِعُ: كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مَا يُشْبِهُ الْقَرْنَيْنِ. الْخَامِسُ: [كَانَ] لِتَاجِهِ قَرْنَانِ. السَّادِسُ:

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ طَافَ قَرْنَيِ الدُّنْيَا

يَعْنِي شَرْقَهَا وَغَرْبَهَا. السَّابِعُ: كَانَ لَهُ قَرْنَانِ أَيْ ضَفِيرَتَانِ. الثَّامِنُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ فَإِذَا سَرَى يَهْدِيهِ النُّورُ مِنْ أَمَامِهِ وَتَمُدُّهُ الظَّلَمَةُ مِنْ وَرَائِهِ. التَّاسِعُ: يَجُوزُ أَنْ يُلَقَّبَ بِذَلِكَ لِشَجَاعَتِهِ كَمَا يُسَمَّى الشُّجَاعُ كَبْشًا كَأَنَّهُ يَنْطَحُ أَقْرَانَهُ. الْعَاشِرُ: رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ صَعِدَ الْفَلَكَ فَتَعَلَّقَ بِطَرَفَيِ الشَّمْسِ وَقَرْنَيْهَا وَجَانِبَيْهَا فَسُمِّيَ/ لِهَذَا السَّبَبِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ. الْحَادِي عَشَرَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ دَخَلَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ فقال: اللهم اغفر «٤» . أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تُسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تُسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ! فَهَذَا جُمْلَةُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَجْلِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَلِكِ الْعَظِيمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْحَالِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالَّذِي هُوَ مَعْلُومُ الْحَالِ بِهَذَا الْمُلْكِ الْعَظِيمِ هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذِي الْقَرْنَيْنِ هُوَ هُوَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِشْكَالًا قَوِيًّا وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ تلميذ أرسطاطاليس


(١) رسم في الأصل في كل مرة هكذا (فيلقوس) بالقاف بعدها واو. ورأيته في أخبار الدول للقرماني كذلك، والصواب بالباء لأن القاف لا توجد في لغة اليونان والروم وإذا أعجمت كلمة فيها قاف أبدلتها (كافا) .
(٢) أبو الريحان الهروي هو المشهور بالبيروني مؤرخ وفلكي ومنجم وجغرافي محقق.
(٣) لعله ذو المنار.
(٤) الصواب اللهم غفرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>