للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَيْرًا أَعَانَهُ وَإِنْ أَرَادَ شَرًّا كَفَّهُ»

وَكَانَ أَنُوشِرْوَانُ يَقُولُ: لَا يَسْتَغْنِي أَجْوَدُ السُّيُوفِ عَنِ الصَّقْلِ، وَلَا أَكْرَمُ الدَّوَابِّ عَنِ السَّوْطِ، وَلَا أَعْلَمُ الْمُلُوكِ عَنِ الْوَزِيرِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنْ قِيلَ الِاسْتِعَانَةُ بِالْوَزِيرِ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُلُوكُ أَمَّا الرَّسُولُ الْمُكَلَّفُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ مِنَ اللَّه تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ عَلَى التَّعْيِينِ فَمِنْ أَيْنَ يَنْفَعُهُ الْوَزِيرُ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ شَرِيكًا لَهُ فِي النُّبُوَّةِ فَقَالَ: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فَكَيْفَ يَكُونُ وَزِيرًا. وَالْجَوَابُ: عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّعَاوُنَ عَلَى الْأَمْرِ وَالتَّظَاهُرَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَصَةِ الْوُدِّ وَزَوَالِ التُّهْمَةِ لَهُ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي تَأْثِيرِ الدُّعَاءِ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاثِقًا بِأَخِيهِ هَارُونَ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَشُدَّ به أزره حتى يتحمل عنه ما يُمْكِنُ مِنَ الثِّقَلِ فِي الْإِبْلَاغِ.

الْمَطْلُوبُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَزِيرُ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ مِنْ أَقَارِبِهِ.

الْمَطْلُوبُ السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ الْوَزِيرُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ هُوَ أَخُوهُ هَارُونُ وَإِنَّمَا سَأَلَ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا:

أَنَّ التَّعَاوُنَ عَلَى الدِّينِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ فَأَرَادَ أَنْ لَا تَحْصُلَ هَذِهِ الدَّرَجَةُ إِلَّا لِأَهْلِهِ، أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ فِي غَايَةِ الْمَحَبَّةِ لِصَاحِبِهِ وَالْمُوَافَقَةِ لَهُ، وَقَوْلُهُ هَارُونَ فِي انْتِصَابِهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَفْعُولُ الْجَعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ اجْعَلْ هَارُونَ أَخِي وَزِيرًا لِي. وَالثَّانِي: عَلَى الْبَدَلِ من وزيرا وأخي نعت لهرون أَوْ بَدَلٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَخْصُوصًا بِأُمُورٍ مِنْهَا الْفَصَاحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً [الْقَصَصِ: ٣٤] وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ رِفْقٌ قال: ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي

[طه: ٩٤] وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ.

الْمَطْلُوبُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقِرَاءَةُ الْعَامَّةُ: اشْدُدْ بِهِ وأَشْرِكْهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ: (أَشْدِدْ، وَأَشْرِكْهُ) عَلَى الْجَزَاءِ وَالْجَوَابِ، حِكَايَةً عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْ أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ لِمَنْ قَرَأَ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ أَنْ يجعل أَخِي مرفوعا على الابتداء واشْدُدْ بِهِ خَبَرَهُ وَيُوقَفُ عَلَى هَارُونَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَزْرُ الْقُوَّةُ وَآزَرَهُ قَوَّاهُ قَالَ تَعَالَى: فَآزَرَهُ أَيْ أَعَانَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَزْرِي أَيْ ظَهْرِي وَفِي كِتَابِ الْخَلِيلِ: الْأَزْرُ: الظَّهْرُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا طَلَبَ مِنَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ هَارُونَ وَزِيرًا لَهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَشُدَّ بِهِ أَزْرَهُ وَيَجْعَلَهُ نَاصِرًا لَهُ لِأَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى الْقَرَابَةِ.

الْمَطْلُوبُ الثَّامِنُ: قَوْلُهُ: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي وَالْأَمْرُ هاهنا النُّبُوَّةُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلِمَ أَنَّهُ يَشُدُّ بِهِ عَضُدَهُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا وَأَفْصَحُ مِنْهُ لِسَانًا ثُمَّ إِنَّهُ سبحانه وتعالى حكى عنه ما لِأَجْلِهِ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالَ: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً وَالتَّسْبِيحُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ وَأَنْ يَكُونَ بِالِاعْتِقَادِ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهُ اللَّه تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَمَّا الذِّكْرُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفِ اللَّه تَعَالَى بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّفْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: إِنَّكَ عَالِمٌ بِأَنَّا لَا نُرِيدُ بِهَذِهِ الطَّاعَاتِ إِلَّا وَجْهَكَ وَرِضَاكَ وَلَا نُرِيدُ بِهَا أَحَدًا سِوَاكَ. وَثَانِيهَا:

كُنْتَ بِنا بَصِيراً لِأَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَانَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَجْلِ حَاجَتِي فِي النُّبُوَّةِ إِلَيْهَا. وَثَالِثُهَا: إِنَّكَ بَصِيرٌ بِوُجُوهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>