للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: فَأْتِياهُ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ [طه: ٢٣، ٢٤] وفي الثانية: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ [طه: ٤٢] وفي الثالثة: قال: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ [طه:

٤٣] وفي الرابعة قال هاهنا فَأْتِيَاهُ فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَقُولَا لَهُ: قَوْلًا لَيِّناً [طه: ٤٤] وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ أَمَرَهُمَا: أَنْ يَقُولَا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فِيهِ أَبْحَاثٌ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: انْقِيَادُهُ إِلَيْهِمَا وَالْتِزَامُهُ لِطَاعَتِهِمَا وَذَلِكَ يَعْظُمُ عَلَى الْمَلِكِ الْمَتْبُوعِ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ فِيهِ إِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى مُلْكِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِمْ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ.

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَلا تُعَذِّبْهُمْ.

الْبَحْثُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي التَّلْيِينِ أَوَّلًا وَالتَّغْلِيظِ ثَانِيًا؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا ظَهَرَ لَجَاجُهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّغْلِيظِ فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ يَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُعْجِزِ مَقْرُونًا بِادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ؟ قُلْنَا: بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَجْمُوعَ الدَّعَاوَى ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ بِالْمُعْجِزَةِ، أَمَّا قَوْلُهُ:

قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فَفِيهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَعْطَاهُ آيَتَيْنِ وَهُمَا الْعَصَا وَالْيَدُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي [طه: ٤٢] وذلك يدل على ثلاث آيات وقال هاهنا: جِئْناكَ بِآيَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَكَيْفَ الْجَمْعُ؟ أَجَابَ الْقَفَّالُ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى جِنْسِ الْآيَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ جِئْنَاكَ بِبَيَانٍ مِنْ عِنْدِ اللَّه ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً وَاحِدَةً أَوْ حُجَجًا كَثِيرَةً، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّه تَعَالَى لَهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ: فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ، وَقُولَا لَهُ: وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَلَامُ اللَّه تَعَالَى قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى وَعْدٌ مِنْ قِبَلِهِمَا لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ بِالسَّلَامَةِ لَهُ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالسَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ كَمَا يُقَالُ رضاع ورضاعة واللام وعلى هاهنا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا قَالَ/ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرَّعْدِ: ٢٥] عَلَى مَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها [فُصِّلَتْ: ٤٦] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاءِ: ٧] ، أَمَّا قوله: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه: ٤٨] فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أن عقاب المؤمن لا يدوم ذلك لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ: الْعَذابَ تُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ أَوْ تُفِيدُ الْمَاهِيَّةَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَقْتَضِي انْحِصَارُ هَذَا الْجِنْسِ فِيمَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى فَوَجَبَ فِي غَيْرِ الْمُكَذِّبِ الْمُتَوَلِّي أَنْ لَا يَحْصُلَ هَذَا الْجِنْسُ أَصْلًا، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ فِي نَفْيِ الدَّوَامِ لِأَنَّ الْعِقَابَ الْمُتَنَاهِيَ إِذَا حَصَلَ بَعْدَهُ السَّلَامَةُ مُدَّةً غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ صَارَ ذَلِكَ الْعِقَابُ كَأَنَّهُ لَا عِقَابَ فَلِذَلِكَ يَحْسُنُ مَعَ حُصُولِ ذَلِكَ الْقَدْرِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَا عِقَابَ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى، وَقَدْ فَسَّرْنَا السَّلَامَ بِالسَّلَامَةِ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي حُصُولَ السَّلَامَةِ لِكُلِّ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَالْعَارِفُ باللَّه قَدِ اتَّبَعَ الْهُدَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ السَّلَامَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>