للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ غَافِرًا وَغَفُورًا وَغَفَّارًا، وَبِأَنَّ لَهُ غُفْرَانًا وَمَغْفِرَةً وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْأَمْرِ. أَمَّا إِنَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ غَافِرًا فَقَوْلُهُ: غافِرِ الذَّنْبِ [غَافِرٍ: ٣] وَأَمَّا كَوْنُهُ غَفُورًا فَقَوْلُهُ: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الْكَهْفِ: ٥٨] وَأَمَّا كَوْنُهُ غَفَّارًا فَقَوْلُهُ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَأَمَّا الْغُفْرَانُ فَقَوْلُهُ: غُفْرانَكَ رَبَّنا [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] وَأَمَّا الْمَغْفِرَةُ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ [الرَّعْدِ: ٦] وَأَمَّا صِيغَةُ الْمَاضِي فَقَوْلُهُ: فِي حَقِّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ [ص: ٢٥] وَأَمَّا صِيغَةُ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: ٤٨] وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزُّمَرِ: ٥٣] وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ [الْفَتْحِ: ٢] وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِغْفَارِ فَقَوْلُهُ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [مُحَمَّدٍ: ١٩] وَفِي حَقِّ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً [نُوحٍ: ١٠] وَفِي الْمَلَائِكَةِ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشُّورَى: ٥] وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كُلَّهُمْ طَلَبُوا الْمَغْفِرَةَ أَمَّا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الْأَعْرَافِ: ٢٣] ، وَأَمَّا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي [هُودٍ: ٤٧] ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: وَالَّذِي أَطْمَعُ/ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشُّعَرَاءِ: ٨٢] وَطَلَبَهَا لِأَبِيهِ:

سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مَرْيَمَ: ٤٧] وَأَمَّا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ فِي إِخْوَتِهِ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [يُوسُفَ: ٩٢] وَأَمَّا موسى عليه السلام ففي قصة القبطي: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي [الأعراف: ١٥١] وَأَمَّا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ [ص: ٢٤] أَمَّا سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً [ص: ٣٥] وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الْمَائِدَةِ: ١١٨] وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فقول: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [مُحَمَّدٍ: ١٩] وَأَمَّا الْأُمَّةُ فقوله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا [الحشر: ١٠] واعلم أن بسط الكلام هاهنا أَنْ نُبَيِّنَ أَوَّلًا حَقِيقَةَ الْمَغْفِرَةِ ثُمَّ نَتَكَلَّمَ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى غَافِرًا وَغَفُورًا وَغَفَّارًا ثُمَّ نَتَكَلَّمَ فِي أَنَّ مَغْفِرَتَهُ عَامَّةٌ ثُمَّ نُبَيِّنَ أَنَّ مَغْفِرَتَهُ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَيْفَ تُعْقَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُمْ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ اسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا فِي إِثْبَاتِ الْعَفْوِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الذَّنْبَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ التَّوْبَةِ أَوْ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ يَقْبُحُ مِنَ اللَّه عَذَابُهُمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّجَاوُزُ عَنْهُمَا وَتَرْكُ الْقَبِيحِ لَا يُسَمَّى غُفْرَانًا فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْغُفْرَانُ إِلَّا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْآيَةِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْغُفْرَانَ فِي حَقِّ مَنِ اسْتَجْمَعَ أُمُورًا أَرْبَعَةً: التَّوْبَةُ وَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالِاهْتِدَاءُ، قُلْنَا: إِنَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ثُمَّ أَذْنَبَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ تَائِبًا وَمُؤْمِنًا وَآتِيًا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمُهْتَدِيًا وَمَعَ ذَلِكَ يكون مذنبا فحينئذ يستقيم كلامنا، وهاهنا نُكْتَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ أَسْمَاءٌ ثَلَاثَةٌ: الظَّالِمُ وَالظَّلُومُ وَالظَّلَّامُ. فَالظَّالِمُ: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [فَاطِرٍ: ٣٢] وَالظَّلُومُ: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الْأَحْزَابِ: ٧٢] وَالظَّلَّامُ إِذَا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وللَّه فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ اسْمٌ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنْ كُنْتَ ظَالِمًا فَأَنَا غَافِرٌ وَإِنْ كُنْتَ ظَلُومًا فَأَنَا غَفُورٌ، وَإِنْ كُنْتَ ظَلَّامًا فَأَنَا غَفَّارٌ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ [طه: ٨٢] .

المسألة التاسعة: كثير اخْتِلَافُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اهْتَدى وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُهْتَدِيًا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ اهْتَدَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟ وَالْوُجُوهُ الْمُلَخَّصَةُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>