للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَطْبُكَ؟ مَعْنَاهُ مَا طَلَبُكَ لَهُ وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُ صُنْعِهِ ثُمَّ ذَكَرَ السَّامِرِيُّ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:

بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قُرِئَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ بِالْكَسْرِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ فَوْقُ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَيْ بِمَا لَمْ يَبْصُرْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْإِبْصَارِ قَوْلَانِ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَلِمْتُ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ بَصِيرٌ أَيْ عَالِمٌ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَقْرِيرِهِ: أَبْصَرْتُهُ بِمَعْنَى رَأَيْتُهُ وَبَصُرْتُ بِهِ بِمَعْنَى صِرْتُ بِهِ بَصِيرًا عَالِمًا. وَقَالَ آخَرُونَ: رَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْهُ فَقَوْلُهُ بَصُرْتُ بِهِ بِمَعْنَى أَبْصَرْتُهُ وَأَرَادَ أَنَّهُ رَأَى دَابَّةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخَذَ مِنْ مَوْضِعِ حَافِرِ دَابَّتِهِ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ الْحَسَنُ قُبْضَةً بِضَمِّ الْقَافِ وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَقْبُوضِ كَالْغُرْفَةِ وَالضُّفَّةِ وَأَمَّا الْقَبْضَةُ فَالْمَرَّةُ مِنَ الْقَبْضِ وَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْمَقْبُوضِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ كَضَرْبِ الْأَمِيرِ وَقُرِئَ أَيْضًا فَقَبَصْتُ قَبْصَةً بِالضَّادِ وَالصَّادِ فَالضَّادُ بِجَمِيعِ الْكَفِّ وَالصَّادُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَنَظِيرِهُمَا الْخَضْمُ وَالْقَضْمُ الْخَاءُ بِجَمِيعِ الْفَمِ وَالْقَافُ بِمُقَدَّمِهِ. قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالرَّسُولِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَرَادَ بِأَثَرِهِ التُّرَابَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ مَوْضِعِ حَافِرِ دَابَّتِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَتَى رَآهُ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِنَّمَا رَآهُ يَوْمَ فُلِقَ الْبَحْرُ. وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نَزَلَ لِيَذْهَبَ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الطُّورِ أَبْصَرَهُ السَّامِرِيُّ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ السَّامِرِيَّ كَيْفَ اخْتَصَّ بِرُؤْيَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَعْرِفَتِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّمَا عَرَفَهُ/ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي صِغَرِهِ وَحَفِظَهُ مِنَ الْقَتْلِ حِينَ أَمَرَ فِرْعَوْنُ بِذَبْحِ أَوْلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلِدُ وَتَطْرَحُ وَلَدَهَا حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ آلُ فِرْعَوْنَ فَتَأْخُذُ الْمَلَائِكَةُ الْوِلْدَانَ فَيُرَبُّونَهُمْ حَتَّى يَتَرَعْرَعُوا وَيَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ فَكَانَ السَّامِرِيُّ مِمَّنْ أَخَذَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَ كَفَّ نَفْسِهِ فِي فِيهِ وَارْتَضَعَ مِنْهُ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفَهُ، فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ بِمَعْنَى رَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْهُ وَمَنْ فَسَّرَ الْكَلِمَةَ بِالْعِلْمِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلِمْتُ أَنَّ تُرَابَ فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ خَاصِّيَّةُ الْإِحْيَاءِ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَصْرِيحٌ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَهَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرَّسُولِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِأَثَرِهِ سُنَّتَهُ وَرَسْمَهُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ: فُلَانٌ يَقْفُو أَثَرَ فُلَانٍ وَيَقْبِضُ أَثَرَهُ إِذَا كَانَ يَمْتَثِلُ رَسْمَهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَقْبَلَ عَلَى السَّامِرِيِّ بِاللَّوْمِ وَالْمَسْأَلَةِ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى إِضْلَالِ الْقَوْمِ فِي بَابِ الْعِجْلِ، فَقَالَ: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ، أَيْ عَرَفْتُ أَنَّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ بِحَقٍّ وَقَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ أَيْ شَيْئًا مِنْ سُنَّتِكَ وَدِينِكَ فَقَذَفْتُهُ أَيْ طَرَحْتُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَعْلَمَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا لَهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ عَنْ غَائِبٍ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِرَئِيسِهِ وَهُوَ مُوَاجِهٌ لَهُ مَا يَقُولُ الْأَمِيرُ فِي كَذَا وَبِمَاذَا يَأْمُرُ الْأَمِيرُ، وَأَمَّا دُعَاؤُهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولًا مَعَ جَحْدِهِ وَكُفْرِهِ فَعَلَى مِثْلِ مذهب من حكى اللَّه عنه قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحِجْرِ: ٦] وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْإِنْزَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>