للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ صَوْتُهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ وَمَدَرٍ وَأَكَمَةٍ أَوْ تُرَابٍ،

قَالَ مُجَاهِدٌ: فَمَا حَجَّ إِنْسَانٌ وَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ إِلَّا وَقَدْ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ النِّدَاءَ، فَمَنْ أَجَابَ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً، وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. فَالْحَجُّ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَذَانِ تَوَاضَعَتْ لَهُ الْجِبَالُ وَخَفَضَتْ وَارْتَفَعَتْ لَهُ الْقُرَى، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: يَبْعُدُ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ أَجَابَهُ الصَّخْرُ وَالْمَدَرُ، لِأَنَّ الْإِعْلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ يُؤْمَرُ بِالْحَجِّ/ دُونَ الْجَمَادِ، فَأَمَّا مَنْ يَسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ نِدَاءَهُ فَلَا يَمْتَنِعُ إِذَا قَوَّاهُ اللَّه تَعَالَى وَرَفَعَ الْمَوَانِعَ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَدْ يَجُوزُ فِي زَمَانِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَوْلِهِ: وَأَذِّنْ هُوَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَأُمْكِنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ لا يوجب أن يكون قوله: وَأَذِّنْ يرجع إليه إذ قد بينا أن معنى قوله: وَإِذْ بَوَّأْنا أي واذكر يا محمد إذ بَوَّأْنَا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا قَالَ تَعَالَى: وَأَذِّنْ فَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْخِطَابُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَذِّنْ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ بِالْحَجِّ. وَثَانِيهَا: قَالَ الْجُبَّائِيُّ أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُعْلِنَ التَّلْبِيَةَ فَيُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّهُ حَاجٌّ فَيَحُجُّوا مَعَهُ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ: يَأْتُوكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَيُقْتَدَى بِهِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ ابْتِدَاءُ فَرْضِ الْحَجِّ مِنَ اللَّه تَعَالَى لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا قَوْلُهُ: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: الرِّجَالُ الْمُشَاةُ وَاحِدُهُمْ رَاجِلٌ كَنِيَامٍ وَنَائِمٍ وَقُرِئَ رُجَالٌ بِضَمِّ الرَّاءِ مُخَفَّفَ الْجِيمِ وَمُثَقَّلَهُ وَرِجَالٌ كَعِجَالٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَقَوْلُهُ: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ أَيْ رُكْبَانًا وَالضُّمُورُ الْهُزَالُ ضَمُرَ يَضْمُرُ ضُمُورًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّاقَةَ صَارَتْ ضَامِرَةً لِطُولِ سَفَرِهَا. وَإِنَّمَا قَالَ: يَأْتِينَ أَيْ جَمَاعَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ الضَّوَامِرُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ مَعْنَاهُ عَلَى إِبِلٍ ضَامِرَةٍ فَجُعِلَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى كُلٍّ وَلَوْ قَالَ يَأْتِي عَلَى اللَّفْظِ صَحَّ وَقُرِئَ يَأْتُونَ صِفَةً لِلرِّجَالِ وَالرُّكْبَانِ، وَالْفَجُّ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ اتِّسَاعًا، وَالْعَمِيقُ الْبَعِيدُ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعِيقٍ يُقَالُ بِئْرٌ بَعِيدَةُ الْعُمْقِ وَالْمَعْقِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: الْمَعْنَى: وَأَذِّنْ، لِيَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ، أَيْ وَأَذِّنْ، لِيَأْتُوكَ عَلَى هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ: وَأَذِّنْ فَإِنَّهُمْ يَأْتُوكَ عَلَى هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: بَدَأَ اللَّه بِذِكْرِ الْمُشَاةِ تَشْرِيفًا لَهُمْ،

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْحَاجَّ الرَّاكِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا رَاحِلَتُهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً وَلِلْمَاشِي سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّه وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ» .

المسألة الرَّابِعَةُ: إِنَّمَا قَالَ: يَأْتُوكَ رِجالًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَادِي فَمَنْ أَتَى بِمَكَّةَ حَاجًّا فَكَأَنَّهُ أَتَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ يُجِيبُ نِدَاءَهُ.

أَمَّا قَوْلُهُ: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْحَجِّ فِي قَوْلِهِ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ذَكَرَ حِكْمَةَ ذَلِكَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَبَعْضُهُمْ حَمَلَهَا عَلَى مَنَافِعِ الدُّنْيَا. وَهِيَ أَنْ يَتَّجِرُوا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>