للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: فِي الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كَوْنِ الزِّنَا مُوجِبًا لِلرَّجْمِ تَارَةً وَالْجَلْدِ أُخْرَى، فَنَقُولُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الزِّنَا مُوجِبًا لِهَذَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مَشْرُوطٌ بِالْعَقْلِ وَبِالْبُلُوغِ فَلَا يَجِبُ الرَّجْمُ وَالْحَدُّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَهَذَانَ الشَّرْطَانِ لَيْسَا مِنْ خَوَاصِّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ بَلْ هُمَا مُعْتَبَرَانِ فِي كُلِّ الْعُقُوبَاتِ، أَمَّا كَوْنُهُمَا مُوجِبَيْنِ لِلرَّجْمِ فَلَا بُدَّ مَعَ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ مِنْ أُمُورٍ أُخَرَ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْحُرِّيَّةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرقيق لا يجب عليه الرَّجْمُ الْبَتَّةَ الشَّرْطُ الثَّانِي: التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَلَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْإِصَابَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَلَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ الشَّرْطُ/ الثَّالِثُ: الدُّخُولُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ»

وَإِنَّمَا تَصِيرُ ثَيِّبًا بِالْوَطْءِ وَهَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ:

المسألة الْأُولَى: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ، فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا:

لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ عَبْدٌ أَمَةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَالصِّغَرِ ثُمَّ كَمُلَ حَالُهُ فَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ كَالْوَطْءِ فِي حَالِ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْكَمَالِ فَكَذَلِكَ الْوَطْءُ وَالثَّانِي: وَهُوَ الأصح وهو ظاهر النص، وقول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا شُرِطَ أَكْمَلُ الْإِصَابَاتِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الْإِصَابَةُ فِي حَالِ الْكَمَالِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالُهُ بِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مُعْتَبَرٌ فِي الطَّرَفَيْنِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ الصَّبِيُّ بَالِغَةً حُرَّةً عَاقِلَةً فَإِنَّهُ لَا يُحْصِنُهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّه.

حُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُفِيدُ الْإِحْصَانَ لأحد الوطئين فَلَا يُفِيدُ فِي الْآخَرِ كَوَطْءِ الْأَمَةِ.

حُجَّةُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ النِّكَاحِ وَكَذَا عِنْدَ الدُّخُولِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ لَيْسَ شَرْطًا فِي كَوْنِ الزِّنَا مُوجِبًا لِلرَّجْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه شَرْطٌ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَإِذَا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ فَأَنْبِئُوهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ»

وَمِنْ جُمْلَةِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى الزِّنَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ كَذَلِكَ لِتَحْصُلَ التَّسْوِيَةُ وَثَانِيهَا:

حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً زَنَيَا

فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَكَمَ بِذَلِكَ بِشَرِيعَتِهِ أَوْ بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ بَيِّنٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَارَ شَرْعًا لَهُ وَثَالِثُهَا: أَنَّ زِنَا الْكَافِرِ مِثْلُ زِنَا الْمُسْلِمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ لأن الزنا محرم قبيح فيناسب الزَّجْرُ وَإِيجَابُ الرَّجْمِ يَصْلُحُ زَاجِرًا لَهُ وَلَا يَبْقَى إِلَّا التَّفَاوُتُ بِالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ تَغْلِيظَ الْجِنَايَةِ فَلَا يُوجِبُ تَخْفِيفَهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَلَا يَجِبُ فِي الذِّمِّيِّ لِمَعْنًى مَفْقُودٍ فِي الذِّمِّيِّ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْأَحْجَارِ عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ فَلَا يَجِبُ إِلَّا بِجِنَايَةٍ عَظِيمَةٍ، وَالْجِنَايَةُ تَعْظُمُ بِكُفْرَانِ النِّعَمِ فِي حَقِّ الْجَانِي عَقْلًا وَشَرْعًا، أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ وَكُلَّمَا كَانَتِ النِّعَمُ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ كَانَ كُفْرَانُهَا أَعْظَمَ وَأَقْبَحَ، وأما الشرح فَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ نِسَاءِ النبي صلى اللَّه عليه وسلم: يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ/ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الَأَحْزَابِ: ٣٠] فَلَمَّا كَانَتْ نِعَمُ اللَّه تَعَالَى فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>