للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ كَانَ عَدْلًا ثِقَةً وَالصَّادِرُ عَنْهُ غَيْرُ مُعَارَضٍ، وَلَمَّا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى عَلَى عَدَالَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ وَثَالِثُهَا:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ»

أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ببقاء عدالة القاذف ما لم يحدو رابعها: مَا

رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ لَمَّا قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه: «يُجْلَدُ هِلَالٌ وَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ»

فَأَخْبَرَ أَنَّ بطلان شهادته متعلق بوقوع الجلد به ذلك يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْقَذْفِ/ لَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ وَخَامِسُهَا: أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّه زَعَمَ أَنَّ شُهُودَ الْقَذْفِ إِذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ قَدْ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَهِدَ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَقَ بِقَذْفِهِ وَوَجَبَ الْحُكْمُ بِكَذِبِهِ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ إِذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ مَا يَلْزَمُهُ أَنْ لَا تَبْطُلَ شَهَادَتُهُمْ بِنَفْسِ الْقَذْفِ، وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه فَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى رَتَّبَ عَلَى الْقَذْفِ مَعَ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ أُمُورًا ثَلَاثَةً مَعْطُوفًا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ الْوَاوِ، وَحَرْفُ الْوَاوِ لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُهَا مُرَتَّبًا عَلَى الْبَعْضِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ رَدُّ الشَّهَادَةِ مُرَتَّبًا عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ رَدُّ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ أَوْ مَا أُقِيمَ واللَّه أَعْلَمُ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النِّسَاءِ: ١٥] وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّه أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ»

ثُمَّ هَاهُنَا مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا هَلْ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ كَفِعْلِ الزِّنَا وَالثَّانِي: يَثْبُتُ بِخِلَافِ فِعْلِ الزِّنَا، لِأَنَّ الْفِعْلَ يُغْمَضُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَاحْتِيطَ فِيهِ بِاشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَالْإِقْرَارُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُغْمَضُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: إِذَا شَهِدُوا عَلَى فِعْلِ الزِّنَا يَجِبُ أَنْ يَذْكُرُوا الزَّانِيَ وَمَنْ زَنَى بِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَرَاهُ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ فَيَظُنُّ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَيَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّا رَأَيْنَا ذَكَرَهُ يَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا دُخُولَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَلَوْ شَهِدُوا مُطْلَقًا أَنَّهُ زَنَى لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا يَرَوْنَ الْمُفَاخَذَةَ زِنًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ إِنْسَانًا فَقَالَ زَنَيْتَ يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا يُسْتَفْسَرُ، وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُسْتَفْسَرَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ كَالشُّهُودِ وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْقَذْفِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيءَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه إِذَا شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا يَثْبُتُ وَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِهِمْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ لَا إِشْعَارَ لَهُ بِمَا بِهِ الِامْتِيَازُ، فَالْآتِي بِهِمْ مُتَفَرِّقِينَ يَكُونُ عَامِلًا بِالنَّصِّ فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْعُهْدَةِ الثَّانِي: كَلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ إِذَا جَاءُوا مُجْتَمِعِينَ يَثْبُتُ إِذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ إِذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ التُّهْمَةِ، وَعَنْ أَنْ يَتَلَقَّنَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِذَا وَقَعَتْ رِيبَةٌ لِلْقَاضِي فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ فَرَّقَهُمْ لِيَظْهَرَ عَلَى عَوْرَةٍ إِنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِمْ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ إِذَا اجْتَمَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>