للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الرَّابِعَةُ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ أَيْ عِقَابُ مَا اكْتَسَبَ، وَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَحِقُّونَ عَلَى ذَلِكَ عِقَابًا لَمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى ذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُمْ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ مَعَ اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُحَابَطَةِ قَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا وَجْهَ لِلْإِعَادَةِ واللَّه أَعْلَمُ.

أَمَّا سَبَبُ النُّزُولِ

فَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُقْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ اسْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، قَالَتْ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي/ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَبْلَ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَخَرَجَ فِيهَا اسْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ فَحُمِلْتُ فِي هَوْدَجٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرُبَ مِنَ الْمَدِينَةِ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ آذَنَ بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي وَأَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلَيْ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ وَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي طَلَبُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونَنِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ لِخِفَّتِي، فَإِنِّي كُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَظَنُّوا أَنِّي فِي الْهَوْدَجِ وَذَهَبُوا بِالْبَعِيرِ، فَلَمَّا رَجَعْتُ لَمْ أَجِدْ فِي الْمَكَانِ أَحَدًا فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ لَعَلَّهُمْ يَعُودُونَ فِي طَلَبِي فَنِمْتُ، وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ يَمْكُثُ فِي الْعَسْكَرِ يَتَتَبَّعُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ فَيَحْمِلُهُ إِلَى الْمَنْزِلِ الْآخَرِ لِئَلَّا يَذْهَبَ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي، وَقَالَ مَا خَلَّفَكِ عَنِ النَّاسِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَنَزَلَ وَتَنَحَّى حَتَّى رَكِبْتُ، ثُمَّ قَادَ الْبَعِيرَ وَافْتَقَدَنِي النَّاسُ حِينَ نَزَلُوا وَمَاجَ النَّاسُ فِي ذِكْرِي، فَبَيْنَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ هَجَمْتُ عَلَيْهِمْ فَتَكَلَّمَ النَّاسُ وَخَاضُوا فِي حَدِيثِي، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَحِقَنِي وَجَعٌ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا عَهِدْتُهُ مِنَ اللُّطْفِ الَّذِي كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ فَذَاكَ الَّذِي يُرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بَعْدُ بِمَا جَرَى حَتَّى نَقِهْتُ فَخَرَجْتُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ لِمُهِمٍّ لَنَا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أَمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ وَقُلْتُ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا! فَقَالَتْ وَمَا بَلَغَكِ الْخَبَرُ! فَقُلْتُ وَمَا هُوَ فقال [ت] أَشْهَدُ أَنَّكِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ، ثُمَّ أَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَرَجَعْتُ أَبْكِي، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ كَيْفَ تِيكُمْ، فَقُلْتُ ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوِيَّ فَأَذِنَ لِي فَجِئْتُ أَبَوِيَّ وَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّهْ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عليك فو اللَّه لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ أَلَمْ تَكُونِي عَلِمْتِ مَا قِيلَ حَتَّى الْآنَ؟ فَأَقْبَلْتُ أَبْكِي فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي فَدَخَلَ عَلَيَّ أَبِي وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ لِأُمِّي مَا يُبْكِيهَا؟ قَالَتْ لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ مَا قِيلَ فِيهَا حَتَّى الْآنَ فَأَقْبَلَ يَبْكِي ثم قال اسْكُتِي يَا بُنَيَّةُ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَاسْتَشَارَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَقَالَ أُسَامَةُ يَا رَسُولَ اللَّه هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّه عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُكَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ وَسَأَلَهَا عَنْ أَمْرِي قَالَتْ بِرَيْرَةُ يَا رَسُولَ اللَّه وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا حَتَّى تَأْتِيَ الدَّاجِنَ فَتَأْكُلَهُ، قَالَتْ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي يَعْنِي عبد اللَّه بن أبي فو اللَّه مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَعْذُرُكَ يَا رَسُولَ اللَّه مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>