للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ

فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَذَا فِي الْمَلَائِكَةِ.

الْحُجَّةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنْ نَتَكَلَّمَ فِي جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقُولُ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التَّكْوِيرِ: ١٩- ٢٢] وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسِتٍّ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، أَحَدُهَا: كَوْنُهُ رَسُولًا لِلَّهِ.

وَثَانِيهَا: كَوْنُهُ كَرِيمًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَثَالِثُهَا: كَوْنُهُ ذَا قُوَّةٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَقُوَّتُهُ عِنْدَ اللَّهِ لَا تَكُونُ إِلَّا قُوَّتَهُ عَلَى الطَّاعَاتِ بِحَيْثُ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا غَيْرُهُ. وَرَابِعُهَا: كَوْنُهُ مَكِينًا عِنْدَ اللَّهِ. وَخَامِسُهَا: كَوْنُهُ مطاعاً في عالم السموات.

وسادسها: كونه أميناً في كل الطاعات مبرءاً عَنْ أَنْوَاعِ الْخِيَانَاتِ. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْدَ أَنْ وَصَفَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَالِيَةِ وَصَفَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بقوله: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ مُسَاوِيًا لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صِفَاتِ الْفَضْلِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ لَكَانَ وَصْفُ مُحَمَّدٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَعْدَ وَصْفِ جِبْرِيلَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ نَقْصًا مِنْ مَنْصِبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْقِيرًا لِشَأْنِهِ وَإِبْطَالًا لِحَقِّهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا مِقْدَارُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي الْفَضْلِ وَالدَّرَجَةِ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ صِفَةً لِمُحَمَّدٍ لَا لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. قُلْنَا لأن قوله: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يُبْطِلُ ذَلِكَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّا تَوَافَقْنَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَائِلُ أُخْرَى سِوَى كَوْنِهِ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْفَضَائِلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِذَنْ عَدَمُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى تِلْكَ الْفَضَائِلَ هاهنا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهَا بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَضَائِلَ/ سِوَى الأمور المذكورة هاهنا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَبَبِ تِلْكَ الْفَضَائِلِ الَّتِي هِيَ غير مذكورة هاهنا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ سبحانه كما وصف جبريل عليه السلام هاهنا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ السِّتِّ وَصَفَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا بِصِفَاتٍ سِتٍّ «١» وَهِيَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [الْأَحْزَابِ: ٤٥، ٤٦] فَالْوَصْفُ الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ نَبِيًّا وَالثَّانِي: كَوْنُهُ رَسُولًا وَالثَّالِثُ: كَوْنُهُ شَاهِدًا وَالرَّابِعُ: كَوْنُهُ مُبَشِّرًا وَالْخَامِسُ: كَوْنُهُ نَذِيرًا وَالسَّادِسُ: كَوْنُهُ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِذْنِهِ وَالسَّابِعُ: كَوْنُهُ سِرَاجًا وَالثَّامِنُ: كَوْنُهُ مُنِيرًا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِفْرَادُ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ بِالْوَصْفِ لَا يَدُلُّ الْبَتَّةَ عَلَى انْتِفَاءِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ عَنِ الثَّانِي. الْحُجَّةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: الْمَلَكُ أَعْلَمُ مِنَ الْبَشَرِ وَالْأَعْلَمُ أَفْضَلُ فَالْمَلَكُ أَفْضَلُ إِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الْمَلَكَ أَعْلَمُ مِنَ الْبَشَرِ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُعَلِّمًا لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النَّجْمِ: ٥] وَالْمُعَلِّمُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنَ الْمُتَعَلِّمِ، وَأَيْضًا فَالْعُلُومُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الْعُلُومُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِالْعُقُولِ كَالْعِلْمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ وُقُوعُ التَّقْصِيرِ فِيهَا لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ فِي ذَلِكَ جَهْلٌ وَهُوَ قَادِحٌ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْعِلْمُ بِأَحْوَالِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وطباق السموات وَأَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْمَغَاوِرِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ فَلَا شَكَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْلَمُ بِهَا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطْوَلُ عُمْرًا وَأَكْثَرُ مُشَاهَدَةً لَهَا فَكَانَ عِلْمُهُ بِهَا أَكْثَرَ وَأَتَمَّ. وَثَانِيهَا: الْعُلُومُ الَّتِي لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ لَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَّا من جهة جبريل عليه السلام


(١) المناسب أن يقول بصفات ثمان أو (ست بل زاد عليها) لأن الصفات التي وصف بها الرسول عليه السلام ليست ستاً وإنما هي ثمان.