للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ أَيْ يُنْقِصُوا مِنْ نَظَرِهِمْ فَالْبَصَرُ إِذَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ عَمَلِهِ فَهُوَ مَغْضُوضٌ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا مِنْ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ وَلَا هِيَ لِلتَّبْعِيضِ بَلْ هِيَ مِنْ صِلَةِ الْغَضِّ يُقَالُ غَضَضْتُ مِنْ فُلَانٍ إِذَا نَقَصْتُ مِنْ قَدْرِهِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَوْرَاتِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَعَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَعَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الرَّجُلِ وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إِلَّا عَوْرَتَهُ وَعَوْرَتُهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالسُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه الرُّكْبَةُ عَوْرَةُ، وَقَالَ مَالِكٌ الْفَخْذُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا عَوْرَةٌ مَا

رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخْذِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَطِّ فَخْذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ الْعَوْرَةِ»

وَقَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «لَا تُبْرِزْ فَخْذَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخْذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ»

فَإِنْ كَانَ فِي نَظَرِهِ إِلَى وَجْهِهِ أَوْ سَائِرِ بَدَنِهِ شَهْوَةٌ أَوْ خَوْفُ فِتْنَةٍ بِأَنْ كَانَ أَمْرَدَ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مُضَاجَعَةُ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ مِنَ الْفِرَاشِ، لِمَا

رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ»

وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ الوجه إِلَّا لِوَلَدِهِ شَفَقَةً، وَتُسْتَحَبُّ الْمُصَافَحَةُ لِمَا

رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّه الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ لَا، قَالَ أَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ لَا، قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ نَعَمْ»

أَمَّا عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَكَعَوْرَةِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، فَلَهَا النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا إِلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَعِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ الْمُضَاجَعَةُ. وَالْمَرْأَةُ الذِّمِّيَّةُ هَلْ يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إِلَى بَدَنِ الْمُسْلِمَةِ، قِيلَ يَجُوزُ كَالْمُسْلِمَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فِي الدِّينِ واللَّه تَعَالَى يَقُولُ:

أَوْ نِسائِهِنَّ وَلَيْسَتِ الذِّمِّيَّةُ مِنْ نِسَائِنَا، أَمَّا عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الرَّجُلِ فَالْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ، أَوْ مُسْتَمْتَعَةً، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا الوجه وَالْكَفَّيْنِ، لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى إِبْرَازِ الوجه فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِلَى إِخْرَاجِ/ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَنَعْنِي بِالْكَفِّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا إِلَى الْكُوعَيْنِ، وَقِيلَ ظَهْرُ الْكَفِّ عَوْرَةٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ. أَمَّا قَوْلُهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ «١» لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ وَلَا فِيهِ فِتْنَةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فِتْنَةٌ وَلَا غَرَضَ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فِتْنَةٌ وَغَرَضٌ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَإِنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا بَغْتَةً يَغُضُّ بَصَرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَقِيلَ يَجُوزُ مَرَّةً وَاحِدَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلَّ فِتْنَةٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَرِّرَ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [الْإِسْرَاءِ:

٣٦]

وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ»

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ نَظَرِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي»

وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنِ الْأُولَى لَا يُمْكِنْ فَوَقَعَ عَفْوًا قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ وَلَا فتنة فيه فذاك أمور: أحدها: بأن


(١) اعلم أن القسمة في هذه المسألة رباعية لا ثلاثية والقسم الذي تركه المؤلف في الإجمال ذكره عند التفصيل لكنه أهمل القسم الثاني ذكره هنا فلعل السقط في الموضعين من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>