للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الْبَدَنِ وَبَدَنُ الرَّجُلِ بِخِلَافِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا قَصْدُ النَّظَرِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَلَا تَكْرِيرُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ لِمَا

رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةُ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أفعميا وإن أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ»

وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا لَهَا فَعَوْرَتُهُ مَعَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَإِنْ كَانَ زَوْجَهَا أَوْ سَيِّدَهَا الَّذِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَلَهَا أَنْ تَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ كَهُوَ مَعَهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْلِسَ عَارِيًا فِي بَيْتٍ خَالٍ وَلَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، لِأَنَّهُ

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: «اللَّه أَحَقُّ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْهُ» .

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ»

واللَّه أَعْلَمُ.

المسألة الثَّالِثَةُ: سُئِلَ الشِّبْلِيُّ عَنْ قوله: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ فقال أبصار الرؤوس عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَبْصَارُ الْقُلُوبِ عَمَّا سِوَى اللَّه تَعَالَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ فَالْمُرَادُ بِهِ عَمَّا لَا يَحِلُّ، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قوله: يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، مِنَ الزِّنَا إِلَّا الَّتِي في النور: يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَيْهَا أَحَدٌ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى حِفْظُهَا عَنْ سَائِرِ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنَ الزِّنَا وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ، وَعَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَظْرَ النَّظَرِ فَالْمَسُّ وَالْوَطْءُ أَيْضًا مُرَادَانِ بِالْآيَةِ، إِذْ هُمَا أَغْلَظُ مِنَ النَّظَرِ، فَلَوْ نَصَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى النَّظَرِ لَكَانَ فِي مَفْهُومِ الْخِطَابِ مَا يُوجِبُ حَظْرَ الْوَطْءِ وَالْمَسِّ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] اقْتَضَى حَظْرَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ السَّبِّ وَالضَّرْبِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ [النُّورِ: ٣٠] أَيْ تَمَسُّكُهُمْ بِذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ وَأَطْهَرُ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا يُزَكَّوْنَ بِهِ وَيَسْتَحِقُّونَ الثَّنَاءَ وَالْمَدْحَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ فِي الْخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا أَرَادَهُ مِنْ تَزْكِيَتِهِمْ بِذَلِكَ، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالْكَافِرِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ فَالْقَوْلُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ قُدِّمَ غَضُّ الْأَبْصَارِ عَلَى حِفْظِ الْفُرُوجِ، قُلْنَا لِأَنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنَا وَرَائِدُ الْفُجُورِ وَالْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ وَأَكْثَرُ، وَلَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَى الِاحْتِرَاسِ مِنْهُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها فَمِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا النِّسَاءُ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْأَغْلَبِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُبْدِيَ زِينَتَهُ حُلِيًّا وَلِبَاسًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِزِينَتِهِنَّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزِّينَةَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى مَحَاسِنِ الْخَلْقِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّه تَعَالَى وَعَلَى سَائِرِ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ فَضْلِ لِبَاسٍ أَوْ حُلِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَ اسْمِ الزينة عل الْخِلْقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقَالُ فِي الْخِلْقَةِ إِنَّهَا مِنْ زِينَتِهَا. وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَا تَكْتَسِبُهُ مِنْ كُحْلٍ وَخِضَابٍ وَغَيْرِهِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْخِلْقَةَ دَاخِلَةٌ فِي الزِّينَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكَثِيرَ مِنَ النِّسَاءِ يَنْفَرِدْنَ بِخِلْقَتِهِنَّ عن سائر

<<  <  ج: ص:  >  >>