للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالنَّسْخُ لَازِمٌ، قُلْنَا لَا يَجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا، لأن قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ لَا يَدْخُلُ إِلَّا مَنْ يَمْلِكُ الْبُيُوتَ لِحَقِّ هَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، فَلَا يَجِبُ النَّسْخُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَأَمَّا إِنْ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى صِغَارِ الْمَمَالِيكِ فَالْقَوْلُ فِيهِ أَبْيَنُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِئْذَانِ مَنْسُوخٌ.

وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّه تَرَكَهُنَّ النَّاسُ وَلَا أَرَى أَحَدًا يَعْمَلُ بِهِنَّ، قَالَ عَطَاءٌ حَفِظْتُ اثْنَتَيْنِ وَنَسِيتُ واحدة، وقرأ هذه الآية وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الْحُجُرَاتِ:

١٣] وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ الْآيَةَ الثَّالِثَةَ قوله: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى [النِّسَاءِ: ٨] الْآيَةَ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَتَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟

الْجَوَابُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ فِي الصِّغَارِ خَاصَّةً، فَمُبَاحٌ لَهُمُ الدُّخُولُ لِلْخِدْمَةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَمُبَاحٌ لَنَا تَمْكِينُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَالدُّخُولُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا.

السُّؤَالُ الثَّانِي: فَهَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ إِبَاحَةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَهُمْ؟ الْجَوَابُ: لَا وَإِنَّمَا أَبَاحَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْعَادَةُ أَنْ لَا تُكْشَفَ الْعَوْرَةُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، فَمَتَى كَشَفَتِ الْمَرْأَةُ عَوْرَتَهَا مَعَ ظَنِّ دُخُولِ الْخَدَمِ إِلَيْهَا فَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ مِمَّنْ يَتَنَاوَلُهُ التَّكْلِيفُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ أَيْضًا إِذَا ظَنَّ أَنَّ هُنَاكَ كَشْفَ عَوْرَةٍ، فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ مِنَ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَ لِلْبَالِغِ مِنَ الْمَمَالِيكِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ؟ قُلْنَا مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ أَخْرَجَ الشَّعْرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَوْرَةً لِحَقِّ الْمِلْكِ، كَمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَوْرَةً لِحَقِّ الرَّحِمِ، إِذِ الْعَوْرَةُ تَنْقَسِمُ فَفِيهِ مَا يَكُونُ عَوْرَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَفِيهِ مَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِالْإِضَافَةِ فيكون عورة مع الأجنبي غير عورة عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَتَقُولُونَ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْخَدَمِ دُونَ غَيْرِهِمْ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ/ وَفِي قَوْلِهِ:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِالصِّغَارِ دُونَ الْبَالِغِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ بَعْدُ فَقَالَ: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ والمراد من تجدد منه البلوغ يجب أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَقَدَّمَ بُلُوغُهُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ مَنْ خَدَمَ فِي حَالِ الصِّغَرِ، فَإِذَا بَلَغَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يَسْتَأْذِنَ وَيُفَارِقُ حَالُهُ حَالَ مَنْ لَمْ يَخْدِمْ وَلَمْ يُمَلَّكْ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ كَمَا حَظَرَ عَلَى الْبَالِغِينَ الدُّخُولَ إِلَّا بِالِاسْتِئْذَانِ فَكَذَلِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ إِذَا بَلَغُوا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ لَهُمْ خِدْمَةٌ أَوْ ثَبَتَ فِيهِمْ مِلْكٌ لَهُنَّ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: الْأَمْرُ بِالِاسْتِئْذَانِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَمْلُوكِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ أَوْ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ؟ وَالْأَجْنَبِيُّ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَمْلُوكُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَنَعَمْ، إِمَّا لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور: ٢٧] أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ لِعُمُومِ الْآيَةِ.

السُّؤَالُ الْخَامِسُ: مَا مَحَلُّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ؟ الْجَوَابُ: إِذَا رُفِعَتْ ثَلاثُ عَوْراتٍ كَانَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>