للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاءٍ جَارٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ؟ وَلَيْتَ شِعْرِي الْحَوَالَةَ عَلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ أَوْلَى أَوْ عَلَى قُوَّةِ الْمَاءِ بِسَبَبِ الْجَرَيَانِ؟ وَعَاشِرُهَا: إِذَا وَقَعَ بَوْلٌ فِي قُلَّتَيْنِ ثُمَّ فُرِّقَتَا فَكُلُّ كُوزٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ مُنْتَشِرٌ فِيهِ وَهُوَ قَلِيلٌ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ الْقَلِيلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الْمَاءِ ابْتِدَاءً، وَبَيْنَهُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِنْدَ اتِّصَالِ غَيْرِهِ بِهِ؟ وَحَادِيَ عَشَرِهَا: أَنَّ الْحَمَّامَاتِ لَمْ تَزَلْ فِي الْأَعْصَارِ الْخَالِيَةِ يَتَوَضَّأُ فِيهَا الْمُتَقَشِّفُونَ وَيَغْمِسُونَ الْأَيْدِيَ وَالْأَوَانِيَ فِي ذَلِكَ الْقَلِيلِ مِنَ الْمَاءِ مِنْ تِلْكَ الْحِيَاضِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْأَيْدِيَ الطَّاهِرَةَ وَالنَّجِسَةَ كَانَتْ تَتَوَارَدُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ التَّقْدِيرُ بِالْقُلَّتَيْنِ مُعْتَبَرًا لَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَلَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي تَشْتَدُّ حَاجَةُ/ الْجُمْهُورِ إِلَيْهِ يَجِبُ بُلُوغُ نَقْلِهِ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عِلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَثَانِي عَشَرِهَا: أَنَّا لَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَحْكُمَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ مِثْلَ مَاءِ الْأَوْدِيَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْغُدْرَانِ الْكِبَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، وَقَدْ نَقَلْنَا عَنِ النَّاسِ تَقْدِيرَاتٍ مُخْتَلِفَةً فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَوَجَبَ التَّعَارُضُ وَالتَّسَاقُطُ، أَمَّا تَقْدِيرُ أَبِي حَنِيفَةَ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَحَكُّمٍ، وَأَمَّا تَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالْقُلَّتَيْنِ بِنَاءً عَلَى

قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا»

فَضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ، قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ فَيَكُونُ الرَّاوِي مَجْهُولًا، وَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَهُوَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَيْضًا زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، سَلَّمْنَا صِحَّةَ الرِّوَايَةِ لَكِنَّهُ إِحَالَةُ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْقُلَّةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ لِلْكُوزِ وَالْجَرَّةِ وَلِكُلِّ مَا نُقِلَ بِالْيَدِ، وَهُوَ أَيْضًا اسْمٌ لِهَامَةِ الرَّجُلِ وَلِقُلَّةِ الْجَبَلِ، سَلَّمْنَا كَوْنَ الْقُلَّةِ مَعْلُومَةً لَكِنْ فِي مَتْنِ الْخَبَرَ اضْطِرَابٌ فَإِنَّهُ

رُوِيَ «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ» ،

وَرُوِيَ «إِذَا بَلَغَ قُلَّةً» ،

وَرُوِيَ «أَرْبَعِينَ قُلَّةً» ،

وَرُوِيَ «إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» ،

وَرُوِيَ «إِذَا بَلَغَ كُوزَيْنِ»

سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْمَتْنِ وَلَكِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ

قَوْلَهُ «لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا»

لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الْخَبَثَ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ فَقَدْ حَمَلَهُ، سَلَّمْنَا إِمْكَانَ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنَّ الْخَبَثَ عَلَى قِسْمَيْنِ خَبَثٌ شَرْعِيٌّ وَخَبَثٌ حَقِيقِيٌّ، وَالِاسْمُ إِذَا دَارَ بَيْنَ الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَالْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ أَوْلَى، لِأَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ مَجَازٌ فِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالنَّقْلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيُّ لِلْخَبَثِ الْمُسْتَقْذِرِ بِالطَّبْعِ

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا اسْتَخْبَثَتْهُ الْعَرَبُ فَهُوَ حَرَامٌ»

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: مَعْنَى

قَوْلِهِ «لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا»

أَيْ لَا يَصِيرُ مُسْتَقْذَرًا طَبْعًا، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ لَكِنْ لِمَ قُلْتَ إِنَّهُ لَا يَنْجُسُ شَرْعًا، سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَبَثِ النَّجَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَكِنَّ

قَوْلَهُ «لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا»

أَيْ يَضْعُفُ عَنْ حَمْلِهِ وَمَعْنَى الضَّعْفِ تَأَثُّرُهُ بِهِ، فَيَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى صَيْرُورَتِهِ نَجِسًا لَا عَلَى بَقَائِهِ طَاهِرًا. لَا يُقَالُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الشَّافِعِيَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الرَّاوِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُرْسَلًا، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْمُحَدِّثِينَ قَدْ عَيَّنُوا اسْمَ الرَّاوِي. قَوْلُهُ إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ إِنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ وَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ إِنْ كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَقَفَهُ فَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ رَفَعَهُ وَقَوْلُهُ الْقُلَّةُ مَجْهُولَةٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ «بِقِلَالِ هَجَرٍ» . ثم قال: وَقَدْ شَاهَدْتُ قِلَالَ هَجَرٍ فَكَانَتِ الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. قَوْلُهُ فِي مَتْنِهِ اضْطِرَابٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّا وَأَنْتُمْ تَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْمَقَادِيرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَيَبْقَى مَا ذَكَرْنَاهُ مُعْتَبَرًا. قَوْلُهُ إِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ قُلْنَا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْخُبْثِ الشَّرْعِيِّ انْدَفَعَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّرْعِ عَلَى الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَقْلِيِّ، لَا سِيَّمَا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَقْلِيِّ يَلْزَمُ التَّعْطِيلُ، قَوْلُهُ الْمُرَادُ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>