للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ شِعْرُهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَدَعْوَةِ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً، وَرَابِعُهَا: أَنْ لَا يَذْكُرُوا هَجْوَ أَحَدٍ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِانْتِصَارِ مِمَّنْ يَهْجُوهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قَالَ اللَّه تَعَالَى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النِّسَاءِ: ١٤٨] ثُمَّ إِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ تَرْكُ الِاعْتِدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٩٤] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَهْجُونَ قُرَيْشًا،

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مالك: «أن رسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: اهْجُهُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ»

وَكَانَ يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ «قُلْ وَرُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ» .

فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ واللَّه اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا يُزِيلُ الْحُزْنَ عَنْ قَلْبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ عَلَى نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ ذَكَرَ سُؤَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً بِالْكَاهِنِ، وَتَارَةً بِالشَّاعِرِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَاهِنِ أَوَّلًا: ثُمَّ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاعِرِ ثَانِيًا: خَتَمَ السُّورَةَ بِهَذَا التَّهْدِيدِ الْعَظِيمِ، يَعْنِي أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَعْرَضُوا عَنْ تَدَبُّرِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ فَإِنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ مِنْهُ الزَّجْرُ عَنِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه بِهَا هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى نَظْمِ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا واللَّه أَعْلَمُ.

وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى التَّابِعَيْنِ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>