للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَيْنَ شَيْءٌ يَغْشَى الْقَلْبَ فَيُغَطِّيهِ بَعْضَ التَّغْطِيَةِ وَهُوَ كَالْغَيْمِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْجَوِّ فَلَا يَحْجُبُ عَنِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ يَمْنَعُ كَمَالَ ضَوْئِهَا، ثُمَّ ذَكَرُوا لِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَى مَا يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْخِلَافِ وَمَا يُصِيبُهُمْ فَكَانَ إِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ وَجَدَ غَيْمًا فِي قَلْبِهِ فَاسْتَغْفَرَ لِأُمَّتِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أَرْفَعَ مِنَ الْأُولَى، فَكَانَ الِاسْتِغْفَارُ لِذَلِكَ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْغَيْمَ عِبَارَةٌ عَنِ السُّكْرِ الَّذِي كَانَ يَلْحَقُهُ فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ حَتَّى يَصِيرَ فَانِيًا عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِذَا عَادَ إِلَى الصَّحْوِ كَانَ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ ذَلِكَ الصَّحْوِ وَهُوَ تَأْوِيلُ أَرْبَابِ الْحَقِيقَةِ، وَرَابِعُهَا: وَهُوَ تَأْوِيلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْخَطَرَاتِ وَالْخَوَاطِرِ وَالشَّهَوَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَيْلِ وَالْإِرَادَاتِ فَكَانَ يَسْتَعِينُ بِالرَّبِّ تَعَالَى فِي دَفْعِ تِلْكَ الْخَوَاطِرِ (و) أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التَّحْرِيمِ: ٨] إِنَّهُ هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الذَّنْبَ ثُمَّ يَتُوبُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَلَا يَعُودَ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ أَنْ يَهْجُرَ الذَّنْبَ وَيَعْزِمَ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا. (ز)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاكِيًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: يَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ: «إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِالْحَسَنَةِ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَإِذَا هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ فَعَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً فَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(ح)

رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمِعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا كَرِيمَ الْعَفْوِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَوَ تَدْرِي مَا كَرِيمُ الْعَفْوِ؟

فَقَالَ: لَا يَا جِبْرِيلُ. قَالَ: أَنْ يَعْفُوَ عَنِ السَّيِّئَةِ وَيَكْتُبَهَا حَسَنَةً.

(ط)

أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنِ اسْتَفْتَحَ أَوَّلَ نَهَارِهِ بِالْخَيْرِ وَخَتَمَهُ بِالْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ لَا تَكْتُبُوا عَلَى عَبْدِي مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ» .

(ي)

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لِلْقَاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ الْمِائَةَ. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا نَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَاعْبُدْهُ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى نِصْفَ الطَّرِيقِ فَأَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ/ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكُ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ وَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضِينَ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ بِشِبْرٍ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» .

رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(يَا)

ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّكَ خَلَقْتَ آدَمَ وَجَعَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً فَسَلِّطْنِي عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (جَعَلْتُ صُدُورَهُمْ مَسَاكِنَ لَكَ) ، فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي، فَقَالَ: لَا يُولَدُ وَلَدٌ لِآدَمَ إِلَّا وُلِدَ لَكَ عَشْرَةٌ. قَالَ: رَبِّ زِدْنِي، قَالَ: تَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى الدَّمِ. قَالَ: رَبِّ زِدْنِي. قَالَ: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ [الإسرا: ٦٤] ، قَالَ: فَعِنْدَهَا شَكَا آدَمُ إِبْلِيسَ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّكَ خَلَقْتَ إِبْلِيسَ وَجَعَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً وَبَغْضَاءَ وَسَلَّطْتَهُ عَلَيَّ وَعَلَى ذُرِّيَّتِي وَأَنَا لَا أُطِيقُهُ إِلَّا بِكَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ إِلَّا وَكَّلْتُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ. قَالَ: رَبِّ زِدْنِي. قَالَ:

الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. قَالَ: رَبِّ زِدْنِي. قَالَ: لَا أَحْجُبُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِكَ التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» .

(يب)

أَبُو