للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَكٍ، وَأَمَّا الْكَوَاكِبُ الْأُخَرُ فَقِيلَ لِلْكُلٍّ فَلَكٌ وَاحِدٌ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامًا مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْهَيْئَةِ حَيْثُ وَجَبَ الشُّرُوعُ بِسَبَبِ تَفْسِيرِ الْفَلَكِ فَنَقُولُ: قِيلَ إِنَّ لِلْقَمَرِ فَلَكًا لِأَنَّ حَرَكَتَهُ أَسْرَعُ مِنْ حَرَكَةِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ، وَكَذَلِكَ لِكُلِّ كَوْكَبٍ فَلَكٌ لِاخْتِلَافِ سَيْرِهَا بِالسُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ وَالْمَمَرِّ، فَإِنَّ بَعْضَهَا يَمُرُّ فِي دَائِرَةٍ وَبَعْضُهَا فِي دَائِرَةٍ أُخْرَى حَتَّى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَمُرُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَكْسِفُهُ وَفِي بَعْضِ الأوقات يكسفه فلكل كوكب فلك، ثم إن أَهْلُ الْهَيْئَةِ قَالُوا فَكُلُّ فَلَكٍ هُوَ جِسْمُ كُرَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلِ اللَّازِمُ أَنْ نَقُولَ لِكُلِّ فَلَكٍ هُوَ كُرَةٌ أَوْ صَفْحَةٌ أَوْ دَائِرَةٌ يَفْعَلُهَا الْكَوْكَبُ بِحَرَكَتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْكَوْكَبَ فِي كُرَةٍ يَكُونُ وُجُودُهُ فِيهَا كَوُجُودِ مِسْمَارٍ مُغْرَقٍ فِي ثِخْنِ كُرَةٍ مُجَوَّفَةٍ وَيُدِيرُ الْكُرَةَ فَيَدُورُ الْكَوْكَبُ بِدَوَرَانِ الْكُرَةِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَرْبَابِ الْهَيْئَةِ حَرَكَةُ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ حَلْقَةً يُحِيطُ بِهَا أَرْبَعُ سُطُوحٍ مُتَوَازِيَةٍ بِهَا فَإِنَّهَا أَرْبَعُ دَوَائِرَ مُتَوَازِيَةٍ كَحَجَرِ الرَّحَى إِذَا قَوَّرْنَاهُ وَأَخْرَجْنَا مِنْ وَسَطِهِ طاحونة وطواحين الْيَدِ وَيَبْقَى مِنْهُ حَلْقَةٌ يُحِيطُ بِهَا سُطُوحٌ وَدَوَائِرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَكُونُ الْكَوَاكِبُ فِيهِ وَهُوَ فَلَكٌ فَتَدُورُ تِلْكَ الْحَلْقَةُ وَتُدِيرُ الْكَوْكَبَ، وَالْحَرَكَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْدُورَةً لَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ وَكَذَلِكَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْكَوَاكِبَ بِحَيْثُ تَشُقُّ السَّمَاءَ فَتَجْعَلُ دَائِرَةً مُتَوَهَّمَةً كَمَا لَوْ فرضت سمكة في الماء على وجهه تَنْزِلُ مِنْ جَانِبٍ وَتَصْعَدُ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ عَلَى اسْتِدَارَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَرَكَةَ الْكَوَاكِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَرْبَابُ الْهَيْئَةِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَقَالُوا لَا تَجُوزُ الْحَرَكَةُ/ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْكَوْكَبَ لَهُ جِرْمٌ فَإِذَا شَقَّ السَّمَاءَ وَتَحَرَّكَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ دَوَرَانِهِ يَنْشَقُّ وَيَلْتَئِمُ كَالْمَاءِ تُحَرِّكُهُ السَّمَكَةُ أَوْ لَا يَنْشَقُّ وَلَا يَلْتَئِمُ، بَلْ هُنَاكَ خَلَاءٌ يَدُورُ الْكَوْكَبُ فِيهِ، لَكِنَّ الْخَلَاءَ مُحَالٌ وَالسَّمَاءُ لَا تَقْبَلُ الشَّقَّ وَالِالْتِئَامَ، هَذَا مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ كِلَاهُمَا جَائِزٌ. أما الخلاء فلا يحتاج إليه هاهنا، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَسْبَحُونَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بِشَقٍّ وَالْتِئَامٍ، وَأَمَّا امْتِنَاعُ الشَّقِّ وَالِالْتِئَامِ فَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ وَشُبْهَتُهُمْ فِي الْمُحَدِّدِ لِلْجِهَاتِ وَهِيَ هُنَاكَ ضَعِيفَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَالُوا عَلَى مَا بَيَّنَّا تَخْرُجُ الْحَرَكَاتُ وَبِهِ عَلِمْنَا الْكُسُوفَاتِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا حَرَكَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ لَمَا وَجَبَ الْكُسُوفُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لِلشَّمْسِ فَلَكَانِ أَحَدُهُمَا: مَرْكَزُهُ مَرْكَزُ الْعَالَمِ ثَانِيهِمَا: مَرْكَزُهُ فَوْقَ مَرْكَزِ الْعَالَمِ وَهُوَ مِثْلُ بَيَاضِ الْبَيْضِ بَيْنَ صُفْرَتِهِ وَبَيْنَ الْقَيْضِ وَالشَّمْسُ كُرَةٌ فِي الْفَلَكِ الْخَارِجِ الْمَرْكَزِ تَدُورُ بِدَوَرَانِهِ فِي السَّنَةِ دَوْرَةً، فَإِذَا جُعِلَتْ فِي الْجَانِبِ الْأَعْلَى تَكُونُ بَعِيدَةً عَنِ الْأَرْضِ فَيُقَالُ إِنَّهَا فِي الْأَوْجِ، وَإِذَا حَصَلَتْ فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ تَكُونُ قَرِيبَةً مِنَ الْأَرْضِ فَتَكُونُ فِي الْحَضِيضِ، وَأَمَّا الْقَمَرُ فَلَهُ فَلَكٌ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَأَفْلَاكِهِ وَفَلَكٌ آخَرُ هُوَ بَعْضٌ مِنَ الْفَلَكِ الْأَوَّلِ مُحِيطٌ بِهِ كَالْقِشْرَةِ الْفَوْقَانِيَّةِ مِنَ الْبَصَلَةِ وَفَلَكٌ ثَالِثٌ فِي الْفَلَكِ التَّحْتَانِيِّ كَمَا كَانَ فِي الْفَلَكِ الْخَارِجِ الْمَرْكَزِ فِي فَلَكِ الشَّمْسِ وَفِي الْفَلَكِ الْخَارِجِ الْمَرْكَزِ كُرَةٌ مِثْلُ جِرْمِ الشَّمْسِ وَفِي الْكُرَةِ الْقَمَرُ مَرْكُوزٌ كَمِسْمَارٍ فِي كُرَةٍ مُغْرَقٍ فِيهَا وَيُسَمَّى الْفَلَكُ الْفَوْقَانِيُّ الْجَوْزَهْرَ وَالْخَارِجُ الْمَرْكَزِ الْفَلَكَ الْحَامِلَ وَالْفَلَكُ التَّحْتَانِيُّ الَّذِي فِيهِ الْفَلَكُ الْحَامِلُ الْفَلَكَ الْمَائِلَ وَالْكُرَةُ الَّتِي فِي الْحَامِلِ تُسَمَّى فَلَكَ التَّدْوِيرِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْكَوَاكِبِ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ مِنَ السَّيَّارَاتِ غَيْرَ أَنَّ الْفَوْقَانِيَّ الَّذِي سَمَّوْهُ فلك الْجَوْزَهْرَ لَمْ يُثْبِتُوهُ لَهَا فَأَثْبَتُوا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلَكًا، الْفَلَكَ الْأَعْلَى وَفَلَكَ الْبُرُوجِ، وَلِزُحَلَ ثَلَاثَةُ أَفْلَاكٍ الْمُمَثِّلُ وَالْحَامِلُ وَفَلَكُ التَّدْوِيرِ، وَلِلْمُشْتَرِي ثَلَاثَةٌ كَمَا لِزُحَلَ، وَلِلْمِرِّيخِ كَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَلِلشَّمْسِ فَلَكَانِ الممثل والخارج المركز، وَلِلزُّهْرَةِ ثَلَاثَةُ أَفْلَاكٍ كَمَا لِلْعُلْوِيَّاتِ، وَلِعُطَارِدٍ أَرْبَعَةُ أَفْلَاكٍ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْعُلْوِيَّاتِ، وَفَلَكٌ آخَرُ يُسَمُّونَهُ الْمُدِيرَ، وَلِلْقَمَرِ أَرْبَعَةُ أَفْلَاكٍ وَالرَّابِعُ يُسَمُّونَهُ فَلَكَ الْجَوْزَهْرَ وَالْمُدِيرُ لَيْسَ كَالْجَوْزَهْرِ لِأَنَّ الْمُدِيرَ غَيْرُ مُحِيطٍ بِأَفْلَاكِ عُطَارِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>