للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الزِّينَةَ مَصْدَرٌ كَالنِّسْبَةِ وَاسْمٌ لِمَا يُزَّنُ بِهِ، كَاللِّيقَةِ اسْمٌ لِمَا تُلَاقُ بِهِ الدَّوَاةُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَقَوْلُهُ: بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ يَحْتَمِلُهُمَا فَإِنْ أَرَدْتَ الْمَصْدَرَ فَعَلَى إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ بِأَنَّ زِينَتَهَا الْكَوَاكِبُ أَوْ عَلَى إِضَافَتِهِ إِلَى الْمَفْعُولِ أَيْ بِأَنَّ زَانَ اللَّهُ الْكَوَاكِبَ وَحَسَّنَهَا، لِأَنَّهَا/ إِنَّمَا زُيِّنَتِ السَّمَاءُ بِحُسْنِهَا فِي أَنْفُسِهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ الِاسْمَ فَلِلْإِضَافَةِ وَجْهَانِ أَنْ تَقَعَ الْكَوَاكِبُ بَيَانًا لِلزِّينَةِ، لِأَنَّ الزِّينَةَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْكَوَاكِبِ وَبِغَيْرِهَا، وَأَنْ يُرَادَ مَا زُيِّنَتْ بِهِ الْكَوَاكِبُ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ كَوْنِ الْكَوَاكِبِ زِينَةً لِلسَّمَاءِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ النُّورَ وَالضَّوْءَ أَحْسَنُ الصِّفَاتِ وَأَكْمَلُهَا، فَإِنَّ تَحَصُلَّ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ الْمُشْرِقَةِ الْمُضِيئَةِ فِي سَطْحِ الْفَلَكِ لَا جَرَمَ بَقِيَ الضَّوْءُ وَالنُّورُ فِي جِرْمِ الْفَلَكِ بِسَبَبِ حُصُولِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ أَيْ بِضَوْءِ الْكَوَاكِبِ الْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَشْكَالُهَا الْمُتَنَاسِبَةُ الْمُخْتَلِفَةُ كَشَكْلِ الْجَوْزَاءِ وَبَنَاتِ نَعْشٍ وَالثُّرَيَّا وَغَيْرِهَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الزِّينَةِ كَيْفِيَّةَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَظَرَ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ إِلَى سَطْحِ الْفَلَكِ وَرَأَى هَذِهِ الْجَوَاهِرَ الزَّوَاهِرَ مُشْرِقَةً لَامِعَةً مُتَلَأْلِئَةً عَلَى ذَلِكَ السَّطْحِ الْأَزْرَقِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ وَأَكْمَلُهَا فِي التَّرْكِيبِ وَالْجَوْهَرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُفِيدُ كَوْنَ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ زِينَةً وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ فَفِيهِ بَحْثَانِ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ فَقَوْلُهُ: وَحِفْظاً أي وَحَفِظْنَاهَا، قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِذَا ذَكَرْتَ فِعْلًا ثُمَّ عَطَفْتَ عَلَيْهِ مَصْدَرَ فِعْلٍ آخَرَ نَصَبْتَ الْمَصْدَرَ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى فِعْلِهِ، مِثْلَ قَوْلِكِ أَفْعَلُ وَكَرَامَةً لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَفْعَلُ عُلِمَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ لَا تُعْطَفُ عَلَى الْأَفْعَالِ، فَكَانَ الْمَعْنَى أَفْعَلُ ذَلِكَ وَأُكْرِمُكَ كَرَامَةً، قَالَ ابْنُ عباس يريد حفظ السماء بالكواكب ومِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ يُرِيدُ الَّذِي تَمَرَّدَ عَلَى اللَّهِ قِيلَ إِنَّهُ الَّذِي لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ، وأصله من الملاسة ومنه قوله: رْحٌ مُمَرَّدٌ

[النَّمْلِ: ٤٤] وَمِنْهُ الْأَمْرَدُ وَذَكَرْنَا تَفْسِيرَ الْمَارِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ [التَّوْبَةِ: ١٠١] .

الْبَحْثُ الثَّانِي: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَبَاحِثِ الْعَقْلِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَنَقُولُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الْمُلْكِ: ٥] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الشَّيَاطِينُ كَانُوا يَصْعَدُونَ إِلَى قُرْبِ السَّمَاءِ فَرُبَّمَا سَمِعُوا كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ وَعَرَفُوا بِهِ مَا سَيَكُونُ مِنَ الْغُيُوبِ، وَكَانُوا يُخْبِرُونَهُمْ بِهِ وَيُوهِمُونَهُمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الصُّعُودِ إِلَى قُرْبِ السَّمَاءِ بِهَذِهِ الشُّهُبِ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْمِيهِمْ بِهَا فيحرقهم بها، وبقي هاهنا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: هَذِهِ الشُّهُبُ هَلْ هِيَ مِنَ الْكَوَاكِبِ الَّتِي زَيَّنَ اللَّهُ السَّمَاءَ بِهَا أَمْ لَا؟ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّهُبَ تَبْطُلُ وَتَضْمَحِلُّ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الشُّهُبُ تِلْكَ الْكَوَاكِبَ الْحَقِيقِيَّةَ لَوَجَبَ أَنْ يَظْهَرَ نُقْصَانُ كَثِيرٍ مِنْ أَعْدَادِ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدِ الْبَتَّةَ فَإِنَّ أَعْدَادَ كَوَاكِبِ السماء باقية على حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ الْبَتَّةَ، وَأَيْضًا فَجَعْلُهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ مِمَّا يُوجِبُ وُقُوعَ النُّقْصَانِ فِي زِينَةِ السَّمَاءِ فَكَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَقْصُودَيْنِ كَالْمُتَنَاقِضِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ الشُّهُبَ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرُ الْكَوَاكِبِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْفَلَكِ فَهَذَا أَيْضًا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الْمُلْكِ: ١] ، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا/ بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ

[الْمُلْكِ: ٥] فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْناها عَائِدٌ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>