الْأَوَّلُ: فِي (بَعْلٍ) قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لِصَنَمٍ كَانَ لَهُمْ كَمَنَاةَ وَهُبَلَ، وَقِيلَ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَفُتِنُوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ، حَتَّى عَيَّنُوا لَهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَادِنٍ وَجَعَلُوهُمْ أَنْبِيَاءَ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ بَعْلٍ وَيَتَكَلَّمُ بِشَرِيعَةِ الضَّلَالَةِ، وَالسَّدَنَةُ يَحْفَظُونَهَا وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ وَهُمْ أَهْلُ بَعْلَبَكَّ مِنْ بِلَادِ الشَّأْمِ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مَدِينَتُهُمْ بَعْلَبَكَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ بَعْلٌ اسْمٌ لِصَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ بَعْلَبَكَّ وَيَتَكَلَّمُ بِشَرِيعَةِ الضَّلَالَةِ، فَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّا إِنْ جَوَّزْنَا هَذَا كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، لِأَنَّهُ نُقِلَ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامُ الذِّئْبِ مَعَهُ وَكَلَامُ الْجَمَلِ مَعَهُ وَحَنِينُ الْجِذْعِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَدْخُلَ الشَّيْطَانُ فِي جَوْفِ جِسْمٍ وَيَتَكَلَّمُ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا فِي الذِّئْبِ وَالْجَمَلِ وَالْجِذْعِ، وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُعْجِزَاتٍ الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْبَعْلَ هُوَ الرَّبُّ بِلُغَةِ الْيَمَنِ، يُقَالُ مَنْ بَعْلُ هَذِهِ الدَّارِ، أَيْ مَنْ رَبُّهَا، وَسُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا لِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ تَعَالَى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٨] وَقَالَ تَعَالَى: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هُودٍ: ٧٢] فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمَعْنَى، أَتَعْبُدُونَ بَعْضَ الْبُعُولِ وَتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ اللَّهِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: الْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ، فَقَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ اللَّهِ خَالِقًا لَمَا جَازَ وَصْفُ اللَّهِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٤] .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: كَانَ الْمُلَقَّبُ بِالرَّشِيدِ الْكَاتِبِ يَقُولُ لَوْ قِيلَ: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَدَعُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. أَوْهَمَ أَنَّهُ أَحْسَنُ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَحْصُلُ فِيهِ رِعَايَةُ مَعْنَى التَّحْسِينِ وَجَوَابُهُ: أَنَّ فَصَاحَةَ/ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ رِعَايَةِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ، بَلْ لِأَجْلِ قُوَّةِ الْمَعَانِي وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا عَابَهُمْ عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ صَرَّحَ بِالتَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الشُّرَكَاءِ، فَقَالَ: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ وَفِيهِ مَبَاحِثُ.
الْأَوَّلُ: أَنَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ حُدُوثَ الْأَشْخَاصِ الْبَشَرِيَّةِ كَيْفَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ، وَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَى وَحْدَتِهِ وَبَرَاءَتِهِ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ كُلُّهَا بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: أَحْسَنَ الْخالِقِينَ وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَنَقَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّ حَمْزَةَ إِذَا وَصَلَ نَصَبَ، وَإِذَا وَقَفَ رَفَعَ، وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَّرَ مَعَ قَوْمِهِ التَّوْحِيدَ قَالَ:
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ أَيْ لَمُحْضَرُونَ النَّارَ غَدًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصَّافَّاتِ: ٥٧] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْمَهُ مَا كَذَّبُوهُ بِكُلِّيَّتِهِمْ، بَلْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ التَّوْحِيدِ فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يَعْنِي الَّذِينَ أَتَوْا بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ ثُمَّ قَالَ: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ (آلِ يَاسِينَ) عَلَى إِضَافَةِ لَفْظِ آلٍ إِلَى لَفْظِ يَاسِينَ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ وَجَزْمِ اللَّامِ مَوْصُولَةً بِيَاسِينَ، أَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَفِيهَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ فَكَانَ إِلْيَاسُ آلَ يَاسِينَ الثَّانِي: (آلُ يَاسِينَ) آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّالِثُ: أَنَّ يَاسِينَ اسْمُ الْقُرْآنِ، كَأَنَّهُ قِيلَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ يَاسِينُ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ فَفِيهَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ يقال ميكال وميكائيل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute