للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ مَعَ قَوْمِهِ فِلَسْطِينَ فَغَزَاهُمْ مَلِكٌ وَسَبَى مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَسْبَاطٍ وَنِصْفًا وَبَقِيَ سِبْطَانِ وَنِصْفٌ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَسَرَكُمْ عَدُوُّكُمْ أَوْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فَادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، فَلَمَّا نَسُوا ذَلِكَ وَأُسِرُوا أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ حِينٍ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ أَنِ اذْهَبْ إِلَى مَلِكِ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ وَقُلْ لَهُ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيًّا، فَاخْتَارَ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ، قَالَ يُونُسُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ لَا وَلَكِنْ أُمِرْتُ أَنْ أَبْعَثَ قَوِيًّا أَمِينًا وَأَنْتَ كَذَلِكَ، فَقَالَ يُونُسُ: وَفِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي فَلِمَ لَا تَبْعَثُهُ، فَأَلَحَّ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَغَضِبَ يُونُسُ مِنْهُ وَخَرَجَ حَتَّى أَتَى بَحْرَ الرُّومِ وَوَجَدَ سَفِينَةً مَشْحُونَةً فَحَمَلُوهُ فِيهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ لُجَّةَ الْبَحْرِ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ، فَقَالَ الْمَلَّاحُونَ: إِنَّ فِيكُمْ عَاصِيًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فِي السفينة ما نراه من غير ربح وَلَا سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَقَالَ التُّجَّارُ: قَدْ جَرَّبْنَا مِثْلَ هَذَا فَإِذَا رَأَيْنَاهُ نَقْتَرِعُ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ نُغْرِقُهُ، فَلَأَنْ يَغْرَقَ وَاحِدٌ خَيْرٌ مِنْ غَرَقِ الْكُلِّ فَخَرَجَ سَهْمُ يُونُسَ، فَقَالَ التُّجَّارُ نَحْنُ أَوْلَى بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ، ثُمَّ عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا يَقْتَرِعُونَ فَيَخْرُجُ سَهْمُ/ يُونُسَ، فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ أَنَا الْعَاصِي وَتَلَفَّفَ فِي كِسَاءٍ وَرَمَى بِنَفْسِهِ فَابْتَلَعَتْهُ السَّمَكَةُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْحُوتِ: «لَا تَكْسِرْ مِنْهُ عَظْمًا وَلَا تَقْطَعْ لَهُ وَصْلًا» ثُمَّ إِنَّ السَّمَكَةَ أَخْرَجَتْهُ إِلَى نِيلِ مِصْرَ ثُمَّ إِلَى بَحْرِ فَارِسَ ثُمَّ إِلَى بَحْرِ الْبَطَائِحِ ثُمَّ دِجْلَةَ فَصَعِدَتْ بِهِ وَرَمَتْهُ بِأَرْضِ نَصِيبِينَ بِالْعَرَاءِ، وَهُوَ كَالْفَرْخِ الْمَنْتُوفِ لَا شَعَرَ وَلَا لَحْمَ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، فَكَانَ يَسْتَظِلُّ بِهَا وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا حَتَّى تَشَدَّدَ، ثُمَّ إِنَّ الْأَرْضَ أَكَلَتْهَا فَخَرَّتْ مِنْ أَصْلِهَا فَحَزِنَ يُونُسُ لِذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ: يَا رَبِّ كُنْتُ أَسْتَظِلُّ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ مِنَ الشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَأَمُصُّ مِنْ ثَمَرِهَا وَقَدْ سَقَطَتْ، فَقِيلَ لَهُ يَا يُونُسُ تَحْزَنُ عَلَى شَجَرَةٍ أُنْبِتَتْ فِي سَاعَةٍ وَاقْتُلِعَتْ فِي سَاعَةٍ وَلَا تَحْزَنُ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ تَرَكْتَهُمْ! انْطَلِقْ إِلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْوَاقِعَةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ يُقَالُ الْتَقَمَهُ وَالْتَهَمَهُ وَالْكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:

وَهُوَ مُلِيمٌ يُقَالُ أَلَامَ إِذَا أَتَى بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ، فَالْمُلِيمُ الْمُسْتَحِقُّ لِلَّوْمِ الْآتِي بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَفِي تَفْسِيرِ كَوْنِهِ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تِلْكَ الظُّلُمَاتِ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنِ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ يَعْنِي الْمُصَلِّينَ وَكَانَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ مُوَاظِبًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ لَلَبِثَ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْحُوتِ، وَكَانَ بَطْنُهُ قَبْرًا لَهُ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، قَالَ بَعْضُهُمُ: اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرُكُمْ فِي الشِّدَّةِ، فَإِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا وَقَعَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ قَالَ اللَّه تَعَالَى فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَبْدًا طَاغِيًا نَاسِيًا، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ [يُونُسَ: ٩٠] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ [يُونُسَ: ٩١] وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ كَمْ لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَلَفْظُ الْقُرْآنِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَسَنُ لَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا وَأُخْرِجَ مِنْ بَطْنِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي الْتَقَمَهُ، وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَنْ عَطَاءٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَعَنِ الضَّحَّاكِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَقِيلَ شَهْرًا وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ دَلِيلٍ عَيَّنُوا هَذِهِ الْمَقَادِيرَ،

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سَبَّحَ يُونُسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ ذَاكَ عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالُوا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ؟ قَالَ نعم،

<<  <  ج: ص:  >  >>