فَحُصُولُهَا فِي حَقِّ أَشْرَفِ الْمُسْلِمِينَ وَأَكَابِرِهِمْ أَوْلَى، وقوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى تَقْدِيرُهُ وَالْمَوَدَّةُ فِي الْقُرْبَى لَيْسَتْ أَجْرًا، فَرَجَعَ الْحَاصِلُ إِلَى أَنَّهُ لَا أَجْرَ الْبَتَّةَ الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَتَمَّ الكلام عند قوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.
ثُمَّ قَالَ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أَيْ لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ قَرَابَتِي مِنْكُمْ وَكَأَنَّهُ فِي اللَّفْظِ أَجْرٌ وَلَيْسَ بِأَجْرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: نَقَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ»
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ/ مَاتَ شَهِيدًا أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مَغْفُورًا لَهُ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ تَائِبًا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّرَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ يُزَفُّ إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ الْعَرُوسُ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فُتِحَ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابَانِ إِلَى الْجَنَّةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَلَ اللَّهُ قَبْرَهُ مَزَارَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ كَافِرًا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» هَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ،
وَأَنَا أَقُولُ: آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الَّذِينَ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ أَشَدَّ وَأَكْمَلَ كَانُوا هُمُ الْآلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ كَانَ التَّعَلُّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ التَّعَلُّقَاتِ وَهَذَا كَالْمَعْلُومِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الْآلَ، وَأَيْضًا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْآلِ فَقِيلَ هُمُ الْأَقَارِبُ وَقِيلَ هُمْ أُمَّتُهُ، فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْقَرَابَةِ فَهُمُ الْآلُ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْأُمَّةِ الَّذِينَ قَبِلُوا دَعْوَتَهُ فَهُمْ أَيْضًا آلٌ فَثَبَتَ أَنَّ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ هُمُ الْآلُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَهَلْ يَدْخُلُونَ تَحْتَ لَفْظِ الْآلِ؟ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَرَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا،
فَثَبَتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ أَقَارِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مَخْصُوصِينَ بِمَزِيدِ التَّعْظِيمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا سَبَقَ الثَّانِي: لَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا يُؤْذِيهَا»
وَثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ عَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ الْأُمَّةِ مِثْلُهُ لِقَوْلِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٥٨] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النُّورِ: ٦٣] وَلِقَوْلِهِ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آلِ عِمْرَانَ: ٣١] وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: ٢١] الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْآلِ مَنْصِبٌ عَظِيمٌ وَلِذَلِكَ جُعِلَ هَذَا الدُّعَاءُ خَاتِمَةَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا التَّعْظِيمُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْآلِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُبَّ آلِ مُحَمَّدٍ وَاجِبٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
يَا رَاكِبًا قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَاهْتِفْ بِسَاكِنِ خَيْفِهَا وَالنَّاهِضِ
سَحَرًا إِذَا فَاضَ الْحَجِيجُ إِلَى مِنًى ... فَيْضًا كَمَا نَظْمِ الْفُرَاتِ الْفَائِضِ
إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ... فليشهد الثقلان أنى رافضي
المسألة الثالثة: قَوْلُهُ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فِيهِ مَنْصِبٌ عَظِيمٌ لِلصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَالسَّابِقُونَ