السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ قَالَ فِي إِعْطَاءِ الْإِنَاثِ وَحْدَهُنَّ، وَفِي إِعْطَاءِ الذُّكُورِ وَحْدَهُمْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَقَالَ: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ وَقَالَ فِي إِعْطَاءِ الصِّنْفَيْنِ مَعًا أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً.
السؤال الرَّابِعُ: لَمَّا كَانَ حُصُولُ الْوَلَدِ هِبَةً مِنَ اللَّهِ فَيَكْفِي فِي عَدَمِ حُصُولِهِ أَنْ لَا يَهَبَ فَأَيُّ حَاجَةٍ فِي عَدَمِ حُصُولِهِ إِلَى أَنْ يَقُولَ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً؟.
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: هَلِ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ جَمْعٌ مُعَيَّنُونَ أَوِ الْمُرَادُ الْحُكْمُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْمُطْلَقِ؟.
وَالْجَوَابُ: عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكَرِيمَ يَسْعَى فِي أَنْ يَقَعَ الْخَتْمُ عَلَى الْخَيْرِ وَالرَّاحَةِ وَالسُّرُورِ وَالْبَهْجَةِ فَإِذَا وُهِبَ الْوَلَدَ الْأُنْثَى أَوَّلًا ثُمَّ أَعْطَاهُ الذَّكَرَ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنَ الْغَمِّ إِلَى الْفَرَحِ وَهَذَا غَايَةُ الْكَرَمِ، أَمَّا إِذَا أَعْطَى الْوَلَدَ أَوَّلًا ثُمَّ أَعْطَى الْأُنْثَى ثَانِيًا فَكَأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنَ الْفَرَحِ إِلَى الْغَمِّ فَذَكَرَ تَعَالَى هِبَةَ الْوَلَدِ الْأُنْثَى أَوَّلًا وَثَانِيًا هِبَةَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ حَتَّى يَكُونَ قَدْ نَقَلَهُ مِنَ الْغَمِّ إِلَى الْفَرَحِ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَلْيَقَ بِالْكَرَمِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا أُعْطِيَ الْوَلَدَ الْأُنْثَى أَوَّلًا عَلِمَ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَرْضَى بِذَلِكَ فَإِذَا أَعْطَاهُ الْوَلَدَ الذَّكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ فَيَزْدَادُ شُكْرُهُ وَطَاعَتُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَصَلَ بِمَحْضِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُ الْمُذَكِّرِينَ الْأُنْثَى ضَعِيفَةٌ نَاقِصَةٌ عَاجِزَةٌ فَقَدَّمَ ذِكْرَهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الْعَجْزُ وَالْحَاجَةُ أَتَمَّ كَانَتْ عِنَايَةُ اللَّهِ بِهِ أَكْثَرَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ: كَأَنَّهُ يُقَالُ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الضَّعِيفَةُ الْعَاجِزَةُ إِنَّ أَبَاكِ وَأُمَّكِ يَكْرَهَانِ وُجُودَكِ فَإِنْ كَانَا قَدْ كَرِهَا وُجُودَكِ فَأَنَا قَدَّمْتُكِ فِي الذِّكْرِ لِتَعْلَمِي أَنَّ الْمُحْسِنَ الْمُكْرِمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا عَلِمَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ زَادَتْ فِي الطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ وَالْبُعْدِ عَنْ مُوجِبَاتِ الطَّعْنِ وَالذَّمِّ، فَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الَّتِي لِأَجْلِهَا وَقَعَ ذِكْرُ الْإِنَاثِ مُقَدَّمًا عَلَى ذِكْرِ الذُّكُورِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الذُّكُورِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرِ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى وَالْأَفْضَلُ الْأَكْمَلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخَسِّ الْأَرْذَلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى يَقْتَضِي تَقْدِيمَ ذِكْرِ الذَّكَرِ عَلَى ذِكْرِ الْأُنْثَى، أَمَّا الْعَوَارِضُ الْخَارِجِيَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَدْ أَوْجَبَتْ تَقْدِيمَ ذِكْرِ الْأُنْثَى عَلَى ذِكْرِ الذَّكَرِ، فَلَمَّا حَصَلَ الْمُقْتَضِي لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْبَابَيْنِ لَا جَرَمَ قَدَّمَ هَذَا مَرَّةً وَقَدَّمَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ لِمَ عَبَّرَ عَنِ الْإِنَاثِ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ، وَعَنِ الذُّكُورِ بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ؟ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى كَوْنِ الذَّكَرِ أَفْضَلَ مِنَ الْأُنْثَى.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُهُ لِمَ قَالَ تَعَالَى فِي إِعْطَاءِ الصِّنْفَيْنِ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً؟ فَجَوَابُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ يُقْرَنُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَهُمَا زَوْجَانِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَالُ لَهُ زَوْجٌ وَالْكِنَايَةُ فِي يُزَوِّجُهُمْ عَائِدَةٌ عَلَى الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ الَّتِي فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَالْمَعْنَى يَقْرِنُ الْإِنَاثَ وَالذُّكُورَ فَيَجْعَلُهُمْ أَزْوَاجًا.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَقِيمَ هُوَ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ، يُقَالُ رَجُلٌ عَقِيمٌ لَا يَلِدُ، وَامْرَأَةٌ عَقِيمٌ لَا تَلِدُ وَأَصْلُ الْعُقْمِ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ قِيلُ الْمُلْكُ عَقِيمٌ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ الْأَرْحَامُ بِالْقَتْلِ وَالْعُقُوقِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ: فَجَوَابُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يُرِيدُ لُوطًا وَشُعَيْبًا عَلَيْهِمَا السلام لم يكن لهما إلا النبات وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ يُرِيدُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ لَهُ/ إِلَّا الذُّكُورُ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً يُرِيدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ مِنَ الْبَنِينَ أَرْبَعَةٌ الْقَاسِمُ وَالطَّاهِرُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَإِبْرَاهِيمُ، وَمِنَ الْبَنَاتِ أَرْبَعَةٌ زَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَفَاطِمَةُ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً يُرِيدُ عِيسَى وَيَحْيَى، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute