للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَانْفَجَرَتْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ أَوْ فَإِنْ ضَرَبْتَ فَقَدِ انْفَجَرَتْ. بَقِيَ هُنَا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ فَيَنْفَجِرَ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ تَقْدِيرِ هَذَا الْمَحْذُوفِ؟ الْجَوَابُ: لَا يَمْتَنِعُ فِي الْقُدْرَةِ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ وَمِنْ قَبْلُ أَنْ يَضْرِبَ يَنْفَجِرُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ ذلك لو قيل إنه أبلغ في/ قِيلَ: إِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْجَازِ لَكَانَ أَقْرَبَ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ ضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَمَرَ رَسُولَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولَ لَا يَفْعَلُهُ لَصَارَ الرَّسُولُ عَاصِيًا، وَلِأَنَّهُ إِذَا انْفَجَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ صَارَ الْأَمْرُ بِالضَّرْبِ بِالْعَصَا عَبَثًا، كَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَلِأَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ كما في قوله تعالى: فَانْفَلَقَ [الشعراء: ٦٣] مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَاهُنَا: فَانْفَجَرَتْ وَفِي الْأَعْرَافِ: فَانْبَجَسَتْ [الْأَعْرَافِ: ١٦] وَبَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّ الِانْفِجَارَ خُرُوجُ الْمَاءِ بِكَثْرَةٍ وَالِانْبِجَاسُ خُرُوجُهُ قَلِيلًا. الْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: الْفَجْرَ الشَّقُّ فِي الْأَصْلِ، وَالِانْفِجَارُ الِانْشِقَاقُ، وَمِنْهُ الْفَاجِرُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ بِخُرُوجِهِ إِلَى الْفِسْقِ، وَالِانْبِجَاسُ اسْمٌ لِلشِّقِّ الضَّيِّقِ الْقَلِيلِ، فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ اخْتِلَافَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، فَلَا يَتَنَاقَضَانِ، وَثَانِيهَا: لَعَلَّهُ انْبَجَسَ أَوَّلًا، ثُمَّ انْفَجَرَ ثَانِيًا، وَكَذَا الْعُيُونُ: يَظْهَرُ الْمَاءُ مِنْهَا قَلِيلًا ثُمَّ يَكْثُرُ لِدَوَامِ خُرُوجِهِ. وَثَالِثُهَا: لَا يَمْتَنِعُ أَنَّ حَاجَتَهُمْ كَانَتْ تَشْتَدُّ إِلَى الْمَاءِ فَيَنْفَجِرُ، أَيْ يَخْرُجُ الْمَاءُ كَثِيرًا ثُمَّ كَانَتْ تَقِلُّ فَكَانَ الْمَاءُ يَنْبَجِسُ أَيْ يَخْرُجُ قَلِيلًا.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: كَيْفَ يُعْقَلُ خُرُوجُ الْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْحَجَرِ الصَّغِيرِ؟ الْجَوَابُ: هَذَا السَّائِلُ إِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ وُجُودَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ أَوْ يُنْكِرَهُ، فَإِنْ سَلَّمَ فَقَدْ زَالَ السُّؤَالُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْجِسْمَ كَيْفَ شَاءَ كَمَا خَلَقَ الْبِحَارَ وَغَيْرَهَا، وَإِنْ نَازَعَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الْبَحْثِ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالنَّظَرِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ كُلِّ مَا يَسْتَبْعِدُونَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَأَيْضًا فَالْفَلَاسِفَةُ لَا يُمْكِنُهُمُ الْقَطْعُ بِفَسَادِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَنَاصِرَ الْأَرْبَعَةَ لَهَا هَيُولَى مُشْتَرَكَةٌ عِنْدَهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَصِحُّ الْكَوْنُ وَالْفَسَادُ عَلَيْهَا، وَإِنَّهُ يَصِحُّ انْقِلَابُ الْهَوَاءِ مَاءً وَبِالْعَكْسِ وَكَذَلِكَ قَالُوا: [الْهَوَاءُ] إِذَا وُضِعَ فِي الْكُوزِ الْفِضَّةِ جَمُدَ فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَى أَطْرَافِ الْكُوزِ قَطَرَاتُ الْمَاءِ، فَقَالُوا: تِلْكَ الْقَطَرَاتُ إِنَّمَا حَصَلَتْ لِأَنَّ الْهَوَاءَ انْقَلَبَ مَاءً فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْحَوَادِثُ السُّفْلِيَّةُ مُطِيعَةٌ لِلِاتِّصَالَاتِ الْفَلَكِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَبْعَدًا أَنْ يَحْدُثَ اتِّصَالٌ فَلَكِيٌّ يَقْتَضِي وُقُوعَ هَذَا الْأَمْرِ الْغَرِيبِ فِي هَذَا الْعَالَمِ. فَثَبَتَ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ لَا يُمْكِنُهُمُ الْجَزْمَ بِفَسَادِ ذَلِكَ.

أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا كَوْنَ الْعَبْدِ مُوجِدًا لِأَفْعَالِهِ لَا جَرَمَ قُلْنَا لَهُمْ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْدِرَ الْعَبْدُ عَلَى خَلْقِ الْجِسْمِ؟ فَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ طريقين ضعيفين جداً سنذكرهما بأن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ آيَةِ السِّحْرِ، وَنَذْكُرُ وَجْهَ ضَعْفِهِمَا وَسُقُوطِهِمَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُهُمُ الْقَطْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَنْسَدُّ عَلَيْهِمْ أَبْوَابُ الْمُعْجِزَاتِ وَالنُّبُوَّاتِ، أَمَّا أَصْحَابُنَا فَإِنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا مُوجِدَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَا جَرَمَ جَزَمُوا أَنَّ الْمُحْدِثَ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا جَرَمَ أَمْكَنَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِظُهُورِهَا على يدل الْمُدَّعِي عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَتَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ كَانَ مُسْتَكِنًّا فِي الْحَجَرِ ثُمَّ ظَهَرَ أَوْ قَلَبَ اللَّهُ الْهَوَاءَ مَاءً أَوْ خَلَقَ الْمَاءَ ابْتِدَاءً؟ وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الظَّرْفَ الصَّغِيرَ لَا يَحْوِي الْجِسْمَ الْعَظِيمَ/ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّدَاخُلِ وَهُوَ