للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ

[الْأَحْقَافِ: ١٣] فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَبْقَى الرَّسُولُ الَّذِي هُوَ رَئِيسُ الْأَتْقِيَاءِ وَقُدْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ شَاكًّا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنَ الْمَغْفُورِينَ أَوْ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ؟ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:

اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الْأَنْعَامِ: ١٢٤] وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَمَالُ حَالِهِ وَنِهَايَةُ قُرْبِهِ مِنْ حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَبْقَى شَاكًّا فِي أَنَّهُ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ أَوْ مِنَ الْمَغْفُورِينَ؟ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قُرِئَ ما يفعل يفتح الْيَاءِ أَيْ يَفْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قَالُوا مَا يَفْعَلُ مُثْبَتٌ وَغَيْرُ مَنْفِيٍّ وَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: مَا يَفْعَلُ بِي وَبِكُمْ؟ قُلْنَا التَّقْدِيرُ مَا أَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِي وَمَا أَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِكُمْ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ يَعْنِي إِنِّي لَا أَقُولُ قَوْلًا وَلَا أَعْمَلُ عَمَلًا إِلَّا بِمُقْتَضَى الْوَحْيِ وَاحْتَجَّ نُفَاةُ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ قَوْلًا وَلَا عَمِلَ عَمَلًا إِلَّا بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالُنَا كَذَلِكَ بَيَانُ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ بَيَانُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَاتَّبِعُوهُ [الْأَعْرَافِ: ١٥٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النُّورِ: ٦٣] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كَانُوا يُطَالِبُونَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْعَجِيبَةِ وَبِالْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ فَقَالَ قُلْ: وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ وَالْقَادِرُ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَالْعَالِمُ بِتِلْكَ الْغُيُوبِ لَيْسَ إلا الله سبحانه.

[قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ إلى قوله إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَنْ يُقَالَ إِنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ ثُمَّ اسْتَكْبَرْتُمْ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ثُمَّ حُذِفَ هَذَا الْجَوَابُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ إِنْ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ وَأَسَأْتَ إِلَيَّ وَأَقْبَلْتُ عَلَيْكَ وَأَعْرَضْتَ عني فقد ظلمتني، فكذا هاهنا التَّقْدِيرُ أَخْبِرُونِي إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسَبَبِ عَجْزِ الْخَلْقِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ وَحَصَلَ أَيْضًا شَهَادَةُ أَعْلَمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ مُعْجِزًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَوِ اسْتَكْبَرْتُمْ وَكَفَرْتُمْ أَلَسْتُمْ أَضَلَّ النَّاسِ وَأَظْلَمَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ قَدْ يُحْذَفُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ وَقَدْ يُذْكَرُ، أَمَّا الْحَذْفُ فَكَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [الرَّعْدِ: ٣١] وَأَمَّا الْمَذْكُورُ، فَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ [فُصِّلَتْ: ٥٢] وَقَوْلِهِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ [الْقَصَصِ: ٧١] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ هَذَا الشَّاهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ،

رَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَتَأَمَّلَهُ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْتَظَرُ، فَقَالَ لَهُ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ مَا يَعْلَمُهُنَّ إلا نبي ما أول أشراط الساعات، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>