الْعَالِمِ بِحَالِ الْمَحَلِّ وَالثَّانِي: مَا يَحْصُلُ مِنَ الْقَتْلِ خَطَأً، وَهُوَ/ غَيْرُ عَدَمِ الْعِلْمِ، فَقَالَ: تُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، لَا الَّتِي تَكُونُ عَنِ الْعِلْمِ وَجَوَابُ: لَوْلَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَفَّ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ، هَذَا مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ جَوَابُهُ: مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني قد استحقوا لأن لَا يُهْمَلُوا، وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ لَوَقَعَ مَا اسْتَحَقُّوهُ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ:
هُوَ سَارِقٌ وَلَوْلَا فُلَانٌ لَقَطَعْتُ يَدَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَوْلَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَامْتِنَاعُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي لَهُ فَمَنَعَهُ الْغَيْرُ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا الْمُقْتَضِيَ التَّامَّ الْبَالِغَ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالصَّدُّ وَالْمَنْعُ، وَذَكَرَ مَا امْتَنَعَ لِأَجْلِهِ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ وُجُودُ الرِّجَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً فِيهِ أَبْحَاثٌ:
الْأَوَّلُ: فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَسْتَدْعِي اللَّامَ الَّذِي بِسَبَبِهِ يَكُونُ الْإِدْخَالُ وَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ هو قوله أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ لِيُدْخِلَ، لَا يُقَالُ بِأَنَّكَ ذَكَرْتَ أَنَّ الْمَانِعَ وُجُودُ رِجَالٍ مُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ: كَفَّ أَيْدِيَكُمْ لِئَلَّا تَطَئُوا فَكَيْفَ يَكُونُ لِشَيْءٍ آخَرَ؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن نَقُولَ كَفَّ أَيْدِيَكُمْ لِئَلَّا تَطَئُوا لِتَدْخُلُوا كَمَا يُقَالُ أَطْعَمْتُهُ لِيَشْبَعَ لِيَغْفِرَ اللَّهُ لِي أَيِ الْإِطْعَامُ لِلشَّابِعِ كَانَ لِيَغْفِرَ الثَّانِي: هُوَ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ لَوْلَا جَوَابُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاسْتَحَقُّوا التَّعَجُّلَ فِي إِهْلَاكِهِمْ، وَلَوْلَا رِجَالٌ لَعَجَّلَ بِهِمْ وَلَكِنْ كَفَّ أَيْدِيَكُمْ لِيُدْخِلَ ثَانِيهَا: أَنْ يُقَالَ فَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُدْخِلَ لِأَنَّ هُنَاكَ أَفْعَالًا مِنَ الْأَلْطَافِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَوْلُهُ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لِيُؤْمِنَ مِنْهُمْ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُؤْمِنُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَيُهَاجِرَ فَيُدْخِلَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ تَزَيَّلُوا أَيْ لَوْ تَمَيَّزُوا، وَالضَّمِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ ضَمِيرُ الرِّجَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالنِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا وَقَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّ جَوَابَ لَوْلَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ قَوْلُهُ لَمَّا كَفَّ أَوْ لَعَجَّلَ وَلَوْ كَانَ لَوْ تَزَيَّلُوا رَاجِعًا إِلَى الرِّجَالِ لَكَانَ لَعَذَّبْنَا جَوَابَ لَوْلَا؟ نَقُولُ وَقَدْ قَالَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: لَوْ تَزَيَّلُوا يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ لَوْلَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَعَذَّبْنَا جَوَابَ لَوْلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ ضَمِيرُ مَنْ يَشَاءُ، كَأَنَّهُ قَالَ لِيُدْخِلَ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ لَوْ تَزَيَّلُوا هُمْ وَتَمَيَّزُوا وَآمَنُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَفِيهِ أَبْحَاثٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرٍ نَفْرِضُهُ فَالْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ انْدَفَعَ عَنْهُمْ، إِمَّا بِسَبَبِ عَدَمِ التَّزْيِيلِ، أَوْ بِسَبَبِ وُجُودِ الرِّجَالِ وَعُلِمَ تَقْدِيرُ وُجُودِ الرِّجَالِ وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ لَا يَنْدَفِعُ/ عَنِ الْكَافِرِ، نَقُولُ الْمُرَادُ عَذَابًا عَاجِلًا بِأَيْدِيكُمْ يَبْتَدِئُ بِالْجِنْسِ إِذْ كَانُوا غَيْرَ مُقْرِنِينَ وَلَا مُنْقَلِبِينَ إِلَيْهِمْ فَيَظْهَرُونَ وَيَقْتَدِرُونَ يَكُونُ أَلِيمًا.
الْبَحْثُ الثَّانِي: مَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُؤَنَّثَ يَدْخُلُ فِي ذِكْرِ الْمُذَكَّرِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ؟ قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ وهم اختصاص الرجال بالحكم لأن قوله تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مَعْنَاهُ تُهْلِكُوهُمْ وَالْمُرَادُ لَا تُقَاتِلْ وَلَا تَقْتُلْ فَكَانَ الْمَانِعَ وَهُوَ وُجُودُ الرِّجَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: وَالنِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ أَيْضًا لِأَنَّ تَخْرِيبَ بُيُوتِهِنَّ وَيُتْمَ أَوْلَادِهِنَّ بِسَبَبِ رِجَالِهِنَّ وَطْأَةٌ شَدِيدَةٌ وَثَانِيهِمَا:
أَنَّ فِي مَحَلِّ الشَّفَقَةِ تُعَدُّ الْمَوَاضِعُ لِتَرْقِيقِ الْقَلْبِ، يُقَالُ لِمَنْ يُعَذِّبُ شَخْصًا لَا تُعَذِّبْهُ وَارْحَمْ ذُلَّهُ وَفَقْرَهُ وَضَعْفَهُ، وَيُقَالُ أَوْلَادُهُ وَصِغَارُهُ وأهله الضعفاء العاجزين، فكذلك هاهنا قال: لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute