أما اللفظية [ففيه بحثان] [البحث الأول] فَهِيَ فِي الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ بِظَلَّامٍ وَفِي اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ لِلْعَبِيدِ أَمَّا الْبَاءُ فَنَقُولُ الْبَاءُ تَدْخُلُ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ تَعَلُّقُ الْفِعْلِ بِهِ ظَاهِرًا وَلَا يَجُوزُ إِدْخَالُهَا فِيهِ حَيْثُ يَكُونُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَيَجُوزُ الْإِدْخَالُ وَالتَّرْكُ حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَلَا فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ، فَلَا يُقَالُ ضَرَبْتُ بِزَيْدٍ لِظُهُورِ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِزَيْدٍ، وَلَا يُقَالُ خَرَجْتُ وَذَهَبْتُ زَيْدًا بَدَلَ قولنا خرجت وذهبت بزيد لخفاه تعلق الفعل بزيد فيهما، ويقال شكرته وشكرت لَهُ لِلتَّوَسُّطِ فَكَذَلِكَ خَبَرُ مَا لَمَّا كَانَ مُشَبَّهًا بِالْمَفْعُولِ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ فِعْلًا غَيْرَ ظَاهِرٍ غَايَةَ الظُّهُورِ، لِأَنَّ إِلْحَاقَ الضَّمَائِرِ الَّتِي تَلْحَقُ بِالْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ كَالتَّاءِ وَالنُّونِ فِي قَوْلِكَ لَسْتَ وَلَسْتُمْ وَلَسْتُنَّ وَلَسْنَا يُصَحِّحُ كَوْنَهَا فِعْلًا كَمَا فِي قَوْلِكَ كُنْتُ وَكُنَّا، لَكِنْ فِي الِاسْتِقْبَالِ يَبِينُ الْفَرْقُ حَيْثُ نَقُولُ يَكُونُ وَتَكُونُ وَكُنْ، وَلَا نَقُولُ ذَلِكَ فِي لَيْسَ وَمَا يُشَبَّهُ بِهَا فَصَارَتَا كَالْفِعْلِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَفْعُولِ غَايَةَ الظُّهُورِ، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ زَيْدٌ جَاهِلًا وَلَيْسَ زَيْدٌ بِجَاهِلٍ، كَمَا يُقَالُ مَسَحْتُهُ وَمَسَحْتُ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ كَانَ زَيْدٌ بِخَارِجٍ وَصَارَ عَمْرٌو بِدَارِجٍ لِأَنَّ صَارَ وَكَانَ فِعْلٌ ظَاهِرٌ غَايَةَ الظُّهُورِ بِخِلَافِ لَيْسَ وَمَا النَّافِيَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قال: (ما هذا بشر) وَهَذَا ظَاهِرٌ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: لَوْ قَالَ قَائِلٌ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إِخْلَاءُ خَبَرِ مَا عَنِ الْبَاءِ، كَمَا لَا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْبَاءِ فِي خَبَرِ كَانَ وَخَبَرُ لَيْسَ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَتَقْرِيرُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ أَنَّ كَانَ لَمَّا كَانَ فِعْلًا ظَاهِرًا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ ضَرَبَ حَيْثُ مَنَعْنَا دُخُولَ الْبَاءِ فِي خَبَرِهِ كَمَا مَنَعْنَاهُ فِي مَفْعُولِهِ، وَلَيْسَ لَمَّا كَانَ فِعْلًا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إِلَى قَوْلِنَا لَسْتَ وَلَسْنَا وَلَسْتُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِعْلًا ظَاهِرًا نَظَرًا إِلَى صِيَغِ الِاسْتِقْبَالِ وَالْأَمْرِ جَعَلْنَاهُ مُتَوَسِّطًا وَجَوَّزْنَا إِدْخَالَ الْبَاءِ فِي خَبَرِهِ وَتَرْكَهُ، كَمَا قُلْنَا فِي مَفْعُولِ شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ، وَمَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِعْلًا بِوَجْهٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ إِلَّا بِالْحَرْفِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِيءَ خَبَرُهُ إِلَّا مَعَ الْبَاءِ كَمَا لَا يَجِيءُ مَفْعُولُ ذَهَبَ إِلَّا مَعَ الْبَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّا فَرَّقْنَا بَيْنَ مَا وَلَيْسَ وَكَانَ، وَجَعَلَنَا لِكُلِّ وَاحِدَةِ مَرْتَبَةً لَيْسَتْ لِلْأُخْرَى فَجَوَّزْنَا تَأْخِيرَ كَانَ فِي اللَّفْظِ حَيْثُ جَوَّزْنَا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ زَيْدٌ خَارِجًا كَانَ وَمَا جَوَّزْنَا زَيْدٌ خَارِجًا لَيْسَ، لِأَنَّ كَانَ فِعْلٌ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ/ دُونَهُ فِي الظُّهُورِ، وَمَا جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ مَا عَنْ أَحَدِ شَطْرَيِ الْكَلَامِ أَيْضًا بِخِلَافِ لَيْسَ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: زَيْدٌ مَا بِظَلَّامٍ، إِلَّا أَنْ يُعِيدَ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيَقُولَ زَيْدٌ مَا هُوَ بِظَلَّامٍ فَصَارَ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ مَا يُوَجَّهُ، وَلَيْسَ يُؤَخَّرُ عَنْ أَحَدِ الشَّطْرَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ فِي الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَانَ يُؤَخَّرُ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي إِلْحَاقِ الْبَاءِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إِخْلَاءُ خَبَرِ مَا عَنِ الْبَاءِ، وَفِي لَيْسَ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ، وَفِي كَانَ لَا يَجُوزُ الْإِدْخَالُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ حَيْثُ قَالُوا إِنَّ مَا بَعْدَ مَا إِذَا جُعِلَ خَبَرًا يَجِبُ إِدْخَالُ الْبَاءِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ مُعَرَّبًا عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ خَبَرًا، وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ هُوَ أَنْ نَقُولَ الْأَكْثَرُ إِدْخَالُ الْبَاءِ فِي خَبَرِ مَا وَلَا سِيَّمَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [الروم: ٥٣] وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ [فَاطِرٍ: ٢٢] وَما هُمْ بِخارِجِينَ [البقرة: ١٦٧] وَما أَنَا بِظَلَّامٍ وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَا لِأَنَّ مَا أَشْبَهَ لَيْسَ فِي الْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَخَالَفَهَا فِي الْعَوَارِضِ وَهُوَ لُحُوقُ التَّاءِ وَالنُّونِ، وَأَمَّا فِي الْمَعْنَى فهما لنفي الحال فالشبه مقتضى لِجَوَازِ الْإِخْلَاءِ وَالْمُخَالَفَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِوُجُوبِ الْإِدْخَالِ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْمُقْتَضَى أَقْوَى لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَمْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْأَمْرِ الْعَارِضِيِّ وَمَا بِالنَّفْسِ أَقْوَى مِمَّا بِالْعَارِضِ، وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ إِدْخَالِ الْبَاءِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي اللَّامِ فَنَقُولُ اللَّامُ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ يُقَالُ غُلَامُ زَيْدٍ وَغُلَامٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute