وُقُوعُهُ فَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ إِلَّا بِالسَّمْعِ فَأَكْثَرَ الْقَسَمَ لِيَقْطَعَ بِهِ الْمُكَلَّفُ وَيَعْتَقِدَهُ اعْتِقَادًا جَازِمًا، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: الْوَاوُ لِلْقَسَمِ بِالنَّجْمِ أَوْ بِرَبِّ النَّجْمِ فَفِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ قَسَمٌ بِالنَّجْمِ/ يُقَالُ لَيْسَ لِلْقَسَمِ فِي الْأَصْلِ حَرْفٌ أَصْلًا لَكِنَّ الْبَاءَ وَالْوَاوَ استعملنا فِيهِ لِمَعْنًى عَارِضٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي أَصْلِ الْقَسَمِ هِيَ الْبَاءُ الَّتِي لِلْإِلْصَاقِ وَالِاسْتِعَانَةِ فَكَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: اسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ، يَقُولُ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، وَكَمَا يَقُولُ: أَقُومُ بِعَوْنِ اللَّهِ عَلَى الْعَدُوِّ، يَقُولُ: أُقْسِمُ بِحَقِّ اللَّهِ فَالْبَاءُ فِيهِمَا بِمَعْنًى كَمَا تَقُولُ: كُتِبَ بِالْقَلَمِ، فَالْبَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ لِلْقَسَمِ غَيْرَ أَنَّ الْقَسَمَ كَثُرَ فِي الْكَلَامِ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَكْثُرْ فَلَمْ يُسْتَغْنَ عَنْهُ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: بِحَقِّ زَيْدٍ فُهِمْ مِنْهُ الْقَسَمُ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانَ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ادْخُلْ زَيْدٍ، أَوِ اذْهَبْ بِحَقِّ زَيْدٍ، أَوْ لَمْ يُقْسِمْ بِحَقِّ زَيْدٍ لَذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ فَلَمَّا لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ عُلِمَ أَنَّ الْحَذْفَ لِلشُّهْرَةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَحْذُوفَ فِعْلُ الْقَسَمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أُقْسِمُ بِحَقِّ زَيْدٍ، فَالْبَاءُ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ لِلْقَسَمِ لَكِنْ لَمَّا عَرَضَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكَثْرَةِ وَالِاشْتِهَارِ قِيلَ الْبَاءُ لِلْقَسَمِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ نَظَرَ فِيهِ فَقَالَ هَذَا لَا يَخْلُو عَنِ الْتِبَاسٍ فَإِنِّي إِذَا قُلْتُ بِاللَّهِ تَوَقَّفَ السَّامِعُ فَإِنْ سَمِعَ بَعْدَهُ فِعْلًا غَيْرَ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ: بِاللَّهِ اسْتَعَنْتُ وَبِاللَّهِ قَدَرْتُ وَبِاللَّهِ مَشَيْتُ وَأَخَذْتُ، لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْقَسَمِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ حَمَلَهُ عَلَى الْقَسَمِ إِنْ لَمْ يَتَوَهَّمْ وُجُودَ فِعْلِ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ، أَمَّا إِنْ تَوَهَّمَ أَنِّي ذَكَرْتُ مَعَ قَوْلِي بِاللَّهِ شَيْئًا آخَرَ وَمَا سَمِعَهُ هُوَ أَيْضًا يَتَوَقَّفُ فِيهِ فَفِي الْفَهْمِ تَوَقُّفٌ، فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَكِيمُ إِذْهَابَ ذَلِكَ مَعَ الِاخْتِصَارِ وَتَرْكِ مَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَهُوَ فِعْلُ الْقَسَمِ أَبْدَلَ الْبَاءَ بِالتَّاءِ، وَقَالَ: تَاللَّهِ، فَتَكَلَّمَ بِهَا فِي كَلِمَةِ اللَّهِ لِاشْتِهَارِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَالْأَمْنِ مِنَ الِالْتِبَاسِ فَإِنَّ التَّاءَ فِي أَوَائِلِ الْكَلِمَاتِ قَدْ تَكُونُ أَصْلِيَّةً، وَقَدْ تَكُونُ لِلْخِطَابِ وَالتَّأْنِيثِ، فَلَوْ أَقْسَمَ بِحَرْفِ التَّاءِ بِمَنِ اسْمُهُ دَاعِي أَوْ رَاعِي أَوْ هَادِي أَوْ عَادِي يَقُولُ تَدَاعِي أَوْ تَرَاعِي أَوْ تَهَادِي أَوْ تَعَادِي فَيَلْتَبِسُ، وَكَذَلِكَ فِيمَنِ اسْمُهُ رُومَانُ أَوْ تُورَانُ إِذَا قُلْتَ تَرُومَانِ أَوْ تَتُورَانِ عَلَى أَنَّكَ تُقْسِمُ بِالتَّاءِ تَلْتَبِسُ بِتَاءِ الْخِطَابِ وَالتَّأْنِيثِ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَأَبْدَلُوهَا وَاوًا لَا يُقَالُ عَلَيْهِ إِشْكَالَانِ الْأَوَّلُ: مَعَ الْوَاوِ لَمْ يُؤْمَنِ الِالْتِبَاسُ، نَقُولُ وَلَّى فَتَلْتَبِسُ الْوَاوُ الْأَصْلِيَّةُ بِالَّتِي لِلْقَسَمِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَاوِ حَيْثُ يَدُلُّ وَيُنْبِئُ عَنِ الْعَطْفِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الْوَاوَ لِلْقَسَمِ، كَيْفَ وَذَلِكَ فِي الْبَاءِ الَّتِي هِيَ كَالْأَصْلِ مُتَحَقِّقٌ تَقُولُ بِرَامٌ فِي جَمْعِ بُرْمَةٍ، وَبِهَامٌ فِي جَمْعِ بَهْمَةٍ، وَبِغَالٌ لِلَبْسِيَّةِ الْبَاءِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي فِي الْبِغَالِ وَالْبِرَامِ بِالْبَاءِ الَّتِي تُلْصِقُهَا بِقَوْلِكَ مَالَ وَرَأَى فَتَقُولُ بِمَالٍ، وَأَمَّا التَّاءُ لَمَّا اسْتُعْمِلَتْ لِلْقَسَمِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ الِالْتِبَاسُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ حَرْفًا مِنَ الْأَدَوَاتِ كَالْبَاءِ وَالْوَاوِ الْإِشْكَالُ الثَّانِي: لِمَ تُرِكَتْ مِمَّا لَا الْتِبَاسَ فِيهِ كَقَوْلِكَ: تَالرَّحِيمِ وَتَالْعَظِيمِ؟ نَقُولُ: لَمَّا كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَايَةِ الشُّهْرَةِ وَالظُّهُورِ اسْتُعْمِلَتِ التَّاءُ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، بِمَعْنَى لَمْ يجز أن يقال عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَكُونُ فِي شُهْرَتِهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَرُبَّمَا يَخْفَى عِنْدَ الْبَعْضِ، فَإِنَّ مَنْ يَسْمَعُ الرَّحِيمَ وَسَمِعَ فِي النُّدْرَةِ تَرَ بِمَعْنَى قَطَعَ رُبَّمَا يَقُولُ تَرَحِيمَ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ أَوْ فِعْلٌ وَمَفْعُولٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لَكِنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الشُّهْرَةِ فِي الْمَنْقُولِ مِنْهُ وَالْمَنْقُولِ إِلَيْهِ لَازِمٌ، وَلَا مَشْهُورَ مِثْلُ كَلِمَةِ اللَّهِ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ لِمَ قُلْتَ إِنَّ عِنْدَ الْأَمْنِ لَا تُسْتَعْمَلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنِ الْعَرَبِ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ/ وَالَّذِي يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنْتَ تَقُولُ أُقْسِمُ بِاللَّهِ وَلَا تَقُولُ أُقْسِمُ تَاللَّهِ لِأَنَّ التَّاءَ فِيهِ مَخَافَةُ الِالْتِبَاسِ عِنْدَ حَذْفِ الْفِعْلِ مِنَ الْقَسَمِ وَعِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ فَلَمْ يجز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute