بِجَوْهَرٍ غَيْرِ جِسْمٍ لَمَا اخْتَلَّ الْغَرَضُ ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمَقْصُودُ كَقَوْلِنَا الْحَيَوَانُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِنْسِ مَا لَهُ الْحَيَاةُ لَا كَالْحَيِّ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِشَيْءٍ لَهُ الْحَيَاةُ، فَالْمَقْصُودُ هُنَا الْمَحَلُّ وَهُوَ الْجِسْمُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ حَيٌّ لَيْسَ بِجِسْمٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ مَنْ قَالَ: الْحَيَوَانُ وَلَوْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى اللَّهِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ لَحَصَلَ غَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ وَلَوْ حُمِلَ لَفْظُ الْحَيَوَانِ عَلَى فَرَسٍ قَائِمٍ أَوْ إِنْسَانٍ نَائِمٍ لَمْ تُفَارِقْهُ الْحَيَاةُ لَمْ يَبْقَ لِلسَّامِعِ نَفْعٌ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُتَكَلِّمِ غَرَضٌ فَإِنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ لِإِنْسَانٍ قَائِمٌ وَهُوَ مَيِّتٌ هَذَا حَيَوَانٌ ثُمَّ بَانَ مَوْتُهُ لَا يَرْجِعُ عَمَّا قَالَ بَلْ يَقُولُ: مَا قُلْتُ إِنَّهُ حَيٌّ بَلْ قُلْتُ إِنَّهُ حَيَوَانٌ فَهُوَ حَيَوَانٌ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ ثَالِثُهَا: مَا يَكُونُ الْأَمْرَانِ مَقْصُودَيْنِ كَقَوْلِنَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَنَاقَةٌ وَجَمَلٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِإِنْسَانٍ ذَكَرٍ وَالْمَرْأَةَ لِإِنْسَانٍ أُنْثَى وَالنَّاقَةَ لِبَعِيرٍ أُنْثَى وَالْجَمَلَ لِبَعِيرٍ ذَكَرٍ فَالنَّاقَةُ إِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى حَيَوَانٍ فَظَهَرَ فرسا أو ثور اخْتَلَّ الْغَرَضُ وَإِنْ بَانَ جَمَلًا كَذَلِكَ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَفِي كُلِّ صُورَةٍ كَانَ الْمَحَلُّ مَقْصُودًا إِمَّا وَحْدَهُ وَإِمَّا مَعَ الْحَالِ فَلَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ جِسْمٌ حَيَوَانٌ وَلَا يُقَالُ بَعِيرٌ نَاقَةٌ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ جُمْلَةً، فَيُوصَفُ بِالْجُمْلَةِ، فَيُقَالُ جِسْمٌ هُوَ حَيَوَانٌ وَبَعِيرٌ هُوَ نَاقَةٌ، ثُمَّ إِنَّ الْأَبْلَقَ وَالْأَفْطَسَ شَأْنُهُ الْحَيَوَانُ مِنْ وَجْهٍ وَشَأْنُهُ الْعَالِمُ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الْمُهَنَّدُ لَكِنَّ دَلِيلَ تَرْجِيحِ الْحَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُهَنَّدَ لَا يُذْكَرُ إِلَّا لِمَدْحِ السَّيْفِ، وَالْأَفْطَسُ لَا يُقَالُ إِلَّا لِوَصْفِ الْأَنْفِ لَا لِحَقِيقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَبْلَقُ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِوَصْفِهِ، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَالصَّرْصَرُ يُقَالُ لِشِدَّةِ الرِّيحِ أَوْ لِبَرْدِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ مَا يُعْمَلُ بِالْبَارِدِ وَالشَّدِيدِ فَجَازَ الْوَصْفُ وَهَذَا بَحْثٌ عَزِيزٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً وقال في الطور: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [الذَّارِيَاتِ: ٤١] فَعَرَّفَ الرِّيحَ هُنَاكَ وَنَكَّرَهَا هُنَا لِأَنَّ الْعُقْمَ فِي الرِّيحِ أَظْهَرُ مِنَ الْبَرْدِ الَّذِي يَضُرُّ النَّبَاتَ أَوِ الشَّدَّةَ الَّتِي تَعْصِفُ الْأَشْجَارَ لِأَنَّ الرِّيحَ الْعَقِيمَ هِيَ الَّتِي لَا تُنْشِئُ سَحَابًا وَلَا تُلَقِّحُ شَجَرًا وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا الرِّيحُ الْمُهْلِكَةُ الْبَارِدَةُ فَقَلَّمَا تُوجَدُ، فَقَالَ: الرِّيحَ الْعَقِيمَ أَيْ هَذَا الْجِنْسَ الْمَعْرُوفَ، ثُمَّ زَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ: مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذَّارِيَاتِ: ٤٢] فَتَمَيَّزَتْ عن/ الرياح العقم، وَأَمَّا الصَّرْصَرُ فَقَلِيلَةُ الْوُقُوعِ فَلَا تَكُونُ مَشْهُورَةً فَنَكَّرَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ هُنَا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ وقال في السجدة: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ [فُصِّلَتْ: ١٦] وَقَالَ فِي الْحَاقَّةِ: سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الْحَاقَّةِ: ٧] وَالْمُرَادُ مِنَ الْيَوْمِ هُنَا الْوَقْتُ وَالزَّمَانُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مَرْيَمَ: ٣٣] وَقَوْلُهُ: مُسْتَمِرٍّ يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَيَّامُ لِأَنَّ الِاسْتِمْرَارَ يُنْبِئُ عَنْ إِمْرَارِ الزَّمَانِ كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ الْأَيَّامُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْحِكَايَةَ هُنَا مَذْكُورَةٌ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ، فَذَكَرَ الزَّمَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِفْهَا، ثُمَّ إِنَّ فيه قراءتين أحدهما:
يَوْمِ نَحْسٍ بِإِضَافَةِ يَوْمٍ، وَتَسْكِينِ نَحْسٍ عَلَى وَزْنِ نَفْسٍ، وَثَانِيَتُهُمَا: يَوْمِ نَحْسٍ بِتَنْوِينِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى وَصْفِ الْيَوْمِ بِالنَّحِسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ فَإِنْ قِيلَ أَيَّتُهُمَا أَقْرَبُ؟ قُلْنَا: الْإِضَافَةُ أَصَحُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ: يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ يَجْعَلُ الْمُسْتَمِرَّ صِفَةً لِيَوْمٍ، وَمَنْ يَقْرَأُ يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ يَكُونُ الْمُسْتَمِرُّ وَصَفًّا لِنَحْسٍ، فَيَحْصُلُ مِنْهُ اسْتِمْرَارُ النُّحُوسَةِ فَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَلْيَقُ، فَإِنْ قِيلَ: مَنْ يَقْرَأُ يَوْمِ نَحْسٍ بِسُكُونِ الْحَاءِ، فَمَاذَا يَقُولُ فِي النَّحِسِ؟ نَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ هُوَ تَخْفِيفُ نَحْسٍ كَفَخْذٍ وَفَخِذٍ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ، وَنَصْرٍ وَنَصِرٍ وَرَعْدٍ وَرَعِدٍ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ تَقْدِيرَهُ: يَوْمٍ كَائِنٍ نَحِسٍ، كَمَا تَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بِجانِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute